الى الذي سأل
أين الله
بسم الله الرحمن الرحيم
{وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى, ءآلله خير أمّا يشركون* أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء والأرض ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها, أءله مع الله, بل هم قوم يعدلون* أمّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أءله مع الله, بل أكثرهم لا يعلمون* أمّن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء في الأرض أءله مع الله, قليلا ما تذكّرون* أمّن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أءله مع الله, تعالى الله عمّا يشركون* أمّن يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءله مع الله, قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين} النمل 59\64.
صدق الله العظيم.
الله
أكبر من أن يقاس بالناس
أو يدخل تحت القياس
أو تدركه الحواس
الاهداء
الى الباحثين عن الحقيقة..
الى الذين تاهوا في دياجير الظلام..
الى الذين ضلوا الطريق فما وجدوا الدليل..
الى كل من يسأل: أين الله ولماذا لانراه؟
أهدي هذه الرسالة؛
ليروا فيها الحقيقة, ويروا فيها النور, ويذوقوا حلاوة الايمان.
المؤلف.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه أجمعين.
في منعطف من منعطفات ( حي الثورة) من مدينة الموصل المسلمة المعروفة بصمودها ومقاومتها للملاحدة وأعداء الاسلام.. أقبل عليّ شاب تبدو عليه مخايل كرم الأصل, وشرع يسألني على استحياء وتردد بنبرات متقطعة مضطربة: كيف.. كيف أستطيع اثبات وجود الله؟ لقد حاولا البعض أن يشككني في الله.. أغثني.. أنقذني.. فهدأت من روعه, وأجبته عما يسأل اجابة مختصرة, ووعدته بأن نلتقي معا يوم الجمعة 16\4\1976 في جامع ( الشبخون) ليستمع الى خطبة الجمعة التي ستعالج هذا الموضوع..
وهذه الرسالة التي بين يديك هي خطب ثلاث ألقيتها في الجامع المذكور..
واتماما للفائدة, واستجابة لطلب اخواني المصلين أن أقوم بطبعها ليقرأها من لم يتسنى له سماعها أجبت الطلب, والله أسأل أن يهدي بها وينفع انه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة السابعة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
هذه الطبعة السابعة من رسالة " الى الذي سأل أين الله" مزيدة ومنقحة, وقد دفعتني الى طبعها الحاجة الملحة لاخواني المسلمين في هذا العصر, وخاصة الجمهوريات الاسلامية الذين طغت عليهم موجة الالحاد ردحا من الزمن فأصبحوا عطشى لهذا الايمان الذي بزغ فجره من جديد, والى المسلمين في العالم الذين هبّت عليهم رياح التشكيك فضلّوا الطريق, فهم بحاجة الى من يأخذ بأيديهم الى ساحل النجاة, والى المؤمنين منهم ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم, وقد ترجمت هذه الرسالة الى عدّة لغات منها الصينية والكردية والألبانية والروسية ووعدنا بترجمتها الى الانكليزية والفرنسية وبقية اللغات لتعم الفائدة.
وختاما أتقدم بالشكر الجزيل الى أساتذتي الكرام فضيلة الشيخ بيه بن السالك وفضيلة الدكتور سيد محمد نوح والدكتور عطوف ياسين وفضيلة الشيخ الشاعر عباس عبداللطيف أبو عيسى جزاهم الله عني وعن القراء خير الجزاء ونفع بهم وبها وأدخرها لنا عنده يوم نلقاه انه سميع مجيب.
عبد الرحمن السنجري
الامارات العين
17 جمادى الأولى 1413هجرية
12 تشرين الثاني 1992 م
مقدمة لسماحة الشيخ بيه بن السالك
رئيس القضاء الشرعي في العين
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمده تعالى وأشكره وأستهديه وأستغفره وأصلي وأسلم على من بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ولم يترك لمعتذر عذرا والذي أنزل عليه:{ وأوحى اليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}. الأنعام 19.
وبعد:
قرأت رسالة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن السنجري الواعظ بوزارة الأوقاف بدولة الامارات العربية المتحدة والمرشد بدار سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لرعاية المسلمين الجدد بعنوان:
" الى الذي سأل أين الله"
فازددت ايمانا ويقينا. أدلة عقلية محسوسة تنساب الى العقل السليم دون مجادلة, ويقنع بها ألد الخصيم بعد أن يعجز عن المحاولة, مدعمة بالأدلة العقلية الدامغة الأدلة النقلية القطعية المتواترة. فأين المفر يا ملحد بعد أن سدّت عليك أبواب؟ لقد اعتاد الملحدون أن يتخيلوا حججا زائفة يشككون بها ذوي العقول السخيفة ولكنها ما تلبث اذا وضعت على محك المناظرة وجوبهت بالأدلة العقلية الناصعة أن تتحول هباء منثورا:
{ كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا} النور 39.
· سئل أعرابي كيف عرفت وجود الله؟
فقال: البعرة تدل على البعير, وأثر السير يدل على المسير, سماء ذات بروج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير.
نعم الكون كله ليس الا دليلا عقليا ناطقا شاهدا على وجود الصانع الذي أوجده ودبره تدبيرا محكما. قال تعالى في محكم تنزيله:
{الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت, فارجع البصر هل ترى من فطور* ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب الى البصر خاسئا وهو حسير} الملك 3-4.
· حاول الفنيّون انزال المطر في مكان معيّن ولكنهم فشلوا فما السبب؟
والسبب هو أن الله لم يشأ والأمر بيده عز وجل ويقول في محكم تنزيله:
{ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} النور 43.
نعم يصيب بهذا الغيث من يشاء ويصرفه عن من يشاء فلا دخل لمشيئة غيره سبحانه ولذلك باءت محاولاتهم بالفشل لأن الله لم يشأ فتلك هي علّة العلل لو أدركناها.
ان الايمان بالغيب هو السمة المميزة للمؤمن الحق وقد أثنى الله عز وجل على الذين يؤمنون بالغيب في غير ما آية.
أما الذي لا يؤمن الا بما رأى وأدرك بحواسه فنقول له: ان الحواس قد تضلل بالسحر أو المرض وغيرهما من الأسباب فيكون ادراكا كاذبا كما قال القائل:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
وبالتالي نقول له هل كل الموجودات تدرك بالحواس.
أين ادراك الكهرباء والهواء والآلام والجاذبية.. انها لاتدرك الا بأثرها. كل هذه الأجوبة أوضحها صاحب الرسالة جزاه الله خيرا.
نسأل الله تعالىأن يوفق الجميع في الايمان بما جاءت به الرسل على مراد الله تعالى وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الفقير الى مولاه
سيدي أحمد الملقب بيه بن السالك
رئيس القضاء الشرعي في العين
11آب 1987م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
لفضيلة الدكتور السيد محمد نوح
بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والسالكين سبيله, والداعين بدعوته الى يوم الدين.
وبعد فان التصور الصحيح لقضية الربوبية والألوهية هو مصدر حركة الانسان المستقيمة الدائبة على ظهر هذه الأرض, بدليل افتتاح الوحي الى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه:
{ اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الانسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الانسان ما لم يعلم}. العلق 1-5.
وقد أدرك الكارهون للاسلام, الحاقدون على أهله ذلك, فعملوا على تشويه هذه القضية في أذهان المسلمين, ولا سيما الناشئة منهم بغية اذلالهم وابتزازهم في خيراتهم وثرواتهم, ولكن أنّى لهم ذلك, والدعاة الى الله على ثغور الحق قائمون, وفي العمل مثابرون, وعلى ربهم متوكلون.
ورسالة " الى الذي سأل أين الله؟" لأخي وشيخي الداعية الى الله الشيخ عبد الرحمن السنجري, جاءت في وقتها المناسب لتسد ثغرة من هذه الثغور, ولكن بترتيب بديع, وأسلوب شيّق سهل مؤثر, حيث بدأها كاتبها بذكر قواعد العقائد لتكون بمثابة معايير تجنب الأمة ولا سيما الشباب مزالق الكفر والالحاد, ثم شفع ذلك ببيان ظاهرة الالحاد, وضرورة الايمان بالله سبحانه وتعالى, وقواطع الأدلة على وجود الله ووحدانيته, وتفرده بالعلم الشامل المحيط, والقدرة التامة التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء, ومخططات الأعداء حول قضية التشكيك, ثم ختمها ببيان حلاوة الايمان, والعوامل التي تكون سببا في هذه الحلاوة, مع تأييد ذلك بالأدلة والبراهين الصحيحة من الكتاب والسنة والواقع المعاش.
نسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناته يوم القيامة, وأن يتقبله برحمته في عباده الصالحين.
الدكتور السيد محمد نوح
مدرس كلية أصول الدين الجامع الأزهر
كلية الأداب _ جامعة الامارات
12 ذو القعدة 1411ه\27 أيار 1991م
الامارات العين
وصف الكتاب
للشاعر الاسلامي فضيلة الشيخ
عباس صالح عبد اللطيف أبو عيسى
كون له أسس وأركان
خلق له الاحكام عنوان
هل صدفة عمياء تحكمه
زور وتضليل وبهتان؟
قالوا الطبيعة أوجدتك فقل
هل يخلق الموجود عدمان؟
هل يخلق الأعمى لنا بصرا
وهو الأصمّ ونحن آذان؟
حسن الصنيع يشي بصانعه
والفن ينطق ذاك فنّان
من يمسك الأفلاك سابحة
في جوّها لا شك رحمن
من سيّر الأرواح حاملة
أمطارها لا شك رحمن
من قدّر الأقوات يقسمها
في خلقه لا شك رحمن
من علّم الحيوان مسلكه
في عيشه لا شك رحمن
يأتي بما لا يقدرنّ على
اعجازه انس ولا جان
زعموا تعلمه غريزته
لكن معلمه لا شك رحمن
قالوا خلقنا للفناء فان
صدقوا فما الايمان خسران
دنيا الفضيلة عيشها رغد
بالحب والايثار تزداد
لكن اذا كذبوا وقد كذبوا
فحصاد أهل الكفر نيران
وحياتهم ومماتهم نكد
ندم وتقريع وأضغان
صنعوا نبوّات مزيّفة
للشك والتضليل عنوان
ومعاول للهدم بغيتها
في الهدم أخلاق وأديان
فنبيّهم نسل القرود سما
حتى تطوّر منه انسان
والقرد ما أخلى دخيلته
غاب به بطش وعدوان
غاب به الحمل الوديع بلا
حق ووحش الغدر سلطان
ونبيّهم لا عقل يملكه
قد جاء منه بذاك اعلان
اذ قال تشكيكا بخالقه
الحسّ للموجود برهان
ما كان شاهد عقله أحد
في حكم ذلك فهو خرفان
ونبيّهم لجنس قبلته
فالجنس للأخلاق ميزان
كل الدوافع منه مصدرها
في شرعه سوء واحسان
جعلوا من الأنثى مطيّتهم
فلحسنها سحر وسلطان
خدعتك يا أختاه دعوتهم
حريّة والقول طنّان
جعلوك للشيطان مصيدة
فالفارس الولهان نشوان
هو سادر في الغيّ تحكمه
الأهواء والشيطان فرحان
سكروا بلذات الحياة وهل
سرّ الوجود يعيه سكران
فاترك لهم ما يزرعون فهم
للشر والشيطان اخوان
ولتذكرنّ يوما نهايته
أخراك اذ تطويك أكفان
فهناك اذا عزّ النصير فما
في القبر أنصار وأعوان
ترجو لو استقبلت في شغف
داع نداه هدى وايمان
ان شئت حصنا من حبائلهم
فاقرأ ولا يصرفك شيطان
هذ الكتاب فكله عبر
للسنجريّ للحق تبيان
لا يبتغي من قارئ عوضا
كل الذي يرجوه غفران
من ربّه وهدى له ولمن
يرجوا واحسان ورضوان
قواعد العقائد
هذه قواعد العقائد جعلناها في أول رسالتنا لتكون معايير تجنّب الشباب مزالق الكفر والالحاد, وقد أخذنا القواعد الثلاث الأولى من كتاب الايمان لفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني والقواعد الباقية من كتاب تعريف عام بدين الاسلام لفضيلة الشيخ علي الطنطاوي مد الله في عمره نسأل الله أن ينفع بها, انه سميع مجيب.
الأدلة العلمية على الايمان بالله سبحانه
القاعدة الأولى: العدم لا يخلق شيئا:
العدم الذي لا وجود له لا يستطيع أن يصنع شيئا لأنه غير موجود.
الموجود:
اذا تأملنا في المخلوقات التي تولد كل يوم, من انسان , وحيوان, ونبات, وتفكرنا في كل ما يحدث في الوجود, من رياح, وأمطار, وليل ونهار, ونظرنا الى ما يجري في كل حين: من حركات منتظمة للشمس والقمر, والنجوم والكواكب, اذا تأملنا في هذا وغيره من التغيرات المحكمة التي تجري في الوجود, في كل لحظة, فان العقل يجزم بأن هذا كله ليس من صنع العدم, وانما هو من صنع الخالق سبحانه. قال تعالى:
{ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون* أم خلقوا السموات والأرض, بل لا يوقنون}. الطور 35-36.
القاعدة الثانية: التفكّر في المصنوع يدل على بعض صفات الصانع:
ان كل شيء يوجد في المصنوع يدل على قدرة, أو صفة عند الصانع, فلا يمكن أن يوجد شيء في المصنوع اذا كان الصانع لا يملك قدرة, أو صفة مكنته من فعل ذلك الشيء في المصنوع. مثاله:
اذا رأيت بابا من خشب, قد أتقن صنعه, فانك ستعلم أن الصانع يملك الخشب, وأنه يستطيع أن يقطعه بانتظام, وأنه قادر على أن يجعل الخشب أملس, وأنه قادر على أن يجعل الخشب أملس, وأنه يملك المسامير, وأن لديه خبرة في صناعة الأبواب.. فاذا وجدنا ثقبا منتظما في الباب (محل المفتاح) شهج لنا ذلك بأن الصانع لديه قدرة, على ثقب الباب بدقة وأن لديه احكاما في عمله, وهكذا نجد كل شيء في المصنوع يدل على قدرة, أو صفة عند الصانع, لأنه لايمكن أن يوجد شيء في المصنوع الا اذا كان الصانع يملك قدرة أو صفة تمكنه من صنع ذلك الشيء.
وهكذا سنجد أن التفكر في المصنوع يدلنا على بعض صفات صانعه, ومن هنا نعرف أن التفكر في المخلوقات يدل على بعض صفات الخالق.. قال تعالى:
{ ان في السموات والأرض لآيات للمؤمنين* وفي خلقكم وما يبث من دابّة آيات لقوم يوقنون* واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون* تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} الجاثية 3-6.
واذا تأملنا وتفكّرنا في المخلوقات فستعلمنا آيات الله فيها ببعض صفات الله سبحانه, قال تعالى:
{ قل انظروا ماذا في السموات والأرض}. يونس 101.
وقال تعالى: { أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم, فبأي حديث بعده يؤمنون} الأعراف 185.
القاعدة الثالثة: فاقد الشيء لا يعطيه:
ان الذي لا يملك مالا, لا يطلب الناس منه المال, والجاهل لا يأتي منه العلم, ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
بالتفكر رأينا العلامات, والآيات في المخلوقات التي تعرّفنا بصفات الخالق سبحانه, واذا عرفنا الصفات, عرفنا الموصوف.
فالذين يزعمون أن الطبيعة خلقتهم, خالفوا العقل وحاربوا الحق, لأن الكون يشهد بأن خالقه حكيم, عليم, خبير, هاد, رازق, حافظ, رحيم, واحد أحد.
والطبيعة الصمّاء الجامدة لا تملك علما, ولا حكمة ولا حياة, ولا رحمة, ولا ارادة. فكيف ظن الجاهلون هذا الظن؟! وفاقد الشيء لا يعطيه.
ما هي الطبيعة:
الطبيعة هي هذه المخلوقات بما هي عليه من صفات, ولقد عبد الوثنيون أجزاء من الطبيعة مثل: الشمس, والقمر, والنجوم, والنار, والأحجار, والانسان. ويتوهم الوثنيون الجدد ( الطبيعيون) أن مجموع الأوثان السابقة ( الطبيعة) هي التي خلقتهم, مع أن الطبيعة لا تملك عقلا, ولهم عقول!! ولا تملك علما, ولهم علم!! ولاتملك خبرة, ولهم خبرة!! ولا تملك ارادة, ولهم ارادة!! أما علموا أن فاقد الشيء لا يعطيه, قال تعالى:
{ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له, ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا عليه وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه, ضعف الطالب والمطلوب* ما قدروا الله حق قدره, ان الله لقوي عزيز} الحج 73.
قال الشاعر أحمد الرصافي:
هل في عيون الملحدين عماء
أم في عقول الملحدين غباء
أيجوز عقلا أن عقلا مبدعا
قد أبدعته طبيعة بلهاء
فاذا الطبيعة أدركت وتصرفت
قلنا: الطبيعة والاله سواء
الله أحيا الكائنات بسرّه
وبسرّه تتفاعل الأشياء
قواعد الاعتقاد
القاعدة الأولى: ما أدركه بحواسي لا أشك بأنه موجود:
هذه بديهة عقلية مسلمة, ولكن المشاهد أنني حين أمشي في الصحراء ساعة الظهيرة, فأرى بركة ماء تلوح ظاهرة للعين من بعيد, فاذا جئتها لم أجد الا التراب الذي رأيته سرابا, وأضع القلم المستقيم في كأس الماء, فأراه منكسرا, وهو في حقيقته لم ينكسر.
ويكون الانسان في سهرة, يدور الحديث فيها عن الجن والعفاريت, ثم يذهب الى داره, فان كان الطريق خاليا مظلما, وكان الانسان مضطرب القلب, واسع الخيال رأى أمامه جنيا أو عفريتا, فشاهده أو أحس بوجوده, وما ثمة شيء مما رأى, والسحرة والمشعوذون يعرضون غرائب نراها ولا حقيقة لها.
فالحوا س اذن تخطئ وتخدع وتتوهم أو يتوهم صاحبها. فهل أشك لهذا في وجود ما أحس به.
لا؛ لأني ان شككت فيما أسمع وأرى وأحس, تداخلت لدي الحقائق مع الخيالات, وصرت أنا والمجنون سواء بسواء.
ولكن أضيف شرطا آخر لحصول العلم ( أي اليقين) لوجود ما أحسه هو ألا يحكم العقل بالتجربة السابقة ويكتفي بها كأساس لليقين, ان الذي أحس به في البداية هو مجرد وهم أو خداع حواس, والعقل يخدع أول مرة, فيحسب التراب ماء فاذا رآه مرة أخرى أدرك انه سراب. والعقل يحكم بعد أن رأى القلم منكسرا أول مرة أنه لا يزال مستقيما كما كان, وان بدا للعين منكسرا, والأمور التي تخطئ فيها الحواس أو تخدع, أمور محددة معدودة معروفة. وهذا لا يبطل القاعدة ولا يؤثر فيها ومنها عمل سحرة فرعون, وما يفعله سحرة السيرك في هذه الأيام.
القاعدة الثانية:
هناك أشياء لم نشاهدها ولم نحسها, ولكنا نوقن بوجود الهند والبرازيل ولم نزرهما ولم نرهما ومع ذلك نوقن بأن (الاسكندر المقدوني) فتح بلاد فارس و( الوليد بن عبد الملك) بنى المسجد الأموي. ولم نشاهد بناء الجامع الأموي, ولم نحضر حروب الاسكندر. ولو نظر كل واحد منا في نفسه لرأى أن ما يوقن بوجوده من الأشياء التي لم يرها, وأكثر بكثير من ( الأشياء) التي رآها من المماليك والبلدان, ومن حوادث التاريخ الذي كان, ومما يقع الآن. فكيف أيقن بوجود هذه الأشياء وهو لم يدركه بحواسه؟
ان الانسان أيقن بها لانتفالها اليع عبر الأزمان والجماعات والمعلومات, وعبر اتفاق الناس حسب مبدأ العادة, فصدّق الانسان هذه الأخبار المتواترة لعدم امكانية الكذب بها بعد اتفاق الناس على صدقها.
فالقاعدة الثانية: أن اليقين كما يحصل بالحس والمشاهد يحصل أيضا بالخبر الذي نعتقد صدق صاحبه, فالانسان الصادق مصدّق من الآخرين.
القاعدة الثالثة:
ما مدى العلم الذي تبلغه الحواس؟ وهل تستطيع أن تصل الى ادراك كل موجود؟ ان مثل النفس والحواس مع الموجودات, كمثل رجل سجنه الحاكم في سجن القلعة وسد عليه الأبواب والنوافذ, ولم يترك الا شقوقا في جدار البرج, شقا يطل منه على النهر الذي يجري في الشرق, وشقا يطل على الجبل الذي يقوم في الغرب, وشقا يطل على القصر الذي يجثم في الشمال, وشقا يطل على الملعب الذي يقع في الجنوب.
السجين في الحقيقة هو النفس, والقلعة هي الجسد, وهذه الشقوق هي الحواس المحدودة. فحس النظر يشرف منه على عالم الأشكال والألوان, وحس السمع يشرف منه على عالم الأصوات, وحس الذوق يشرف منه على عالم الأطعمة والأشربة والأذواق, وحس الشم يشرف منه على عالم الروائح, وحس اللمس يشرف منه على عالم الأجسام والأحجام.
والسؤال الآن: هل أدرك الانسان بكل حاسة من هذه الحواس كل ما في هذا العالم الواسع؟؟
ان السجين عندما ينظر من شق النهر لا يرى النهر كله, ولكنه يرى فقط جزءا يسيرا منه, وكذلك العين حين تشرف على عالم الألوان, لا نراه كله بل نرى بعضه فقط.
لوثة الالحاد
يقول استاذ أزهري: ان في أوساط شبابنا اليوم لوثة أخرى.. سموها لوثة الالحاد أو لوثة الوجودية أو ما تشاؤون.. ثم يستطرد في صفحات أخرى فيقول عن هذه اللوثة: انها لا تمت الى الأديان السماوية ولا الى الأخلاق الفاضلة بصلة, وتخلق من أتباعها كفرة فجرة لا يعرفون للوطن حقا, ولا يرجون لله وقارا. انها بضاعة أجنبية صدّروها الينا من خارج حدودنا, ولكن هذه (البوم) ان صرخت فستصرخ في واد, وان نفخت فستنفخ في رماد, والمؤمنون لها بالمرصاد, والله لايهدي كيد الخائنين.
ضرورة الايمان بالله تعالى
والايمان بالله ضرورة عقلية وضرورة نفسية وضرورة اجتماعية وضرورة سياسية وضرورة لغوية. وقد تعجبون من أنه ضرورة لغوية وحق لكم أن تعجبوا. نأتي الى اللغة فنسأل: هل توجد المعاني أولا ثم توضع الألفاظ أم توجد الألفاظ أولا ثم توجد لها المعاني؟ بالعكس توجد المعاني أولا ثم يوجد لها اللفظ.
اذا فالمعنى يوجد أولا ثم يوضع له اللفظ, والأمور العدمية المحضة لا توضع لها ألفاظ أبدا. فالتلفزيون مثلا أو الثلاجة أو البراد أو المسجل قبل أن يأتي ما كان له اسم فلما وجد المدلول وضع له اللفظ الاسم. ولهذا نجد أن الحق تبارك وتعالى لما عرض المسميات وهي معاني الأسماء على الملائكة:
{ وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم* قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم}. البقرة 22.
ونفهم من هذه الآية أنه لا بد أن توجد المعاني أولا وبعد ذلك توضع لها الأسماء, فلما علّم الحق تبارك وتعالى آدم السماء قال له ان هذا الشيء اسمه كذا وهذا اسمه كذا. اذا فالمعنى يوجد أولا ثم توضع له الأسماء.
اذا انتهينا من هذا نقول للجاحدين قولوا لنا من أين جاء لفظ الله في لغة البشر كيف دخل هذا اللفظ لغة البشر ان كان أمرا عدميا لا وجود له والعدميات لا يوجد لها ألفاظ تدل عليها؟ والأعجب من هذا أن نرى نظير هذا اللفظ في جميع اللغات فمن أين دخل هذا اللفظ في جميع اللغات؟ لا بد اذا أن يكون الأصل الأصيل في الانسان الأول أن الله قد علمه ثم بعد ذلك طرأ جحد الله على الناس.. لماذا؟ لأن الناس ألفوا المحسّ ولم يألفوا الغيب, لأن الغيب غائب عنهم. ولذلك تجد الفلسفة اللغوية الأخرى أن كلمة الكفر كلمة (كفر) نفسها دليل على الايمان! كيف تكون دليلا على الايمان؟
لأن الكفر في اللغة معناها ستر فكأن الكفر طرأ على شيء موجود ليستره, وكلمة الكفر في ذاتها تدل على الايمان لأن معنى كفر: ستر, فكأن الكفر طارئ على شيء ستره فكان الايمان هو الأصل. اذا فكلمة الله وكلمة كفر تدلان على الايمان بالله معا, وان نفس الكفر مؤمن, الكفر نفسه مؤمن لأن في لفظه أنه ستر شيئا وما دامت كلمة الكفر أنه ( لا اله) تبقى سترت الها يبقى اذا اللفظ التوحيدي يدل على الايمان واللفظ المقابل له أيضا يدل على الايمان.
القاعدة الرابعة:
ان الناس جميعا المؤمن منهم والكافر, والناشئ في صوامع العبادة, والمتربّي في مخادع الفسوق, اذا ألمّت بهم ملمّة ضاقوا بها ذرعا, ولم يجدوا لها دافعا, ولم يعوذوا منها بشيء من هذه الكائنات, وانما يعوذون بقوة وراء هذه الكائنات, قوة لا يرونها ولكنهم يشعرون بأرواحهم وقلوبهم, وكل عصب من أعصابهم بوجودها, وبعظمتها وجلالها, يقع هذا لكثير من الطلاب أيام الامحانات, ولكثير من المرضى عند اشتداداد الألم, وعجز الطبيب. كلهم يعودون الى ربهم, ويقبلون على عبادته, فهل سألتم أنفسكم, ما السبب في هذا وأمثاله؟ ولماذا نجد كل من وقع في شدة يرجع الى الله؟ نذكر جميعا أيام الحرب الماضية كيف كان الناس يقبلون على الدين, ويلجؤون الى الله. الرؤساء والقوّاد يؤمّون المعابد, ويدعون الجنود الى الصلاة.
أحوال الملحدين في الشدائد
قرأت في مجلة المختار المترجمة عن المجلة ريدرز دايجست, مقالة نشرت أيام الحرب, لشاب من جنود المظلات يوم كانت المظلات والهبوط شيئا جديدا ويروي قصته فيقول: انه نشأ في بيت ليس فيه من يذكر الله أو يصلي, ودرس في مدارس ليس فيها دروس للدين, ولا مدرّس متديّن, نشأ نشأة علمانية مادية, أي مثل نشأة الحيوانات التي لا تعرف الا الأمل والشرب والفساد, ولكنه لما هبط أول مرة, ورأى نفسه ساقطا في الفضاء قبل أن تنفتح المظلة, جعل يقول: يا الله يا رب, يدعو من قلبه, وهو يتعجّب من أين جاءه هذا الايمان؟
وبنت ستالين نشرت من عهد قريب مذكراتها, فذكرت كيف عادت الى الدين, وقد نشأت في غمرة الالحاد, وتعجبت هي نفسها من هذا المعاد. وما في ذلك عجب, فالايمان بوجود اله, شيء كامن في كل نفس, انه فطرة من الفطر البشرية الأصلية, كغريزة الجنس, والانسان حيوان ذو دين.
ولكن هذه الفطرة قد تغطيها الشهوات والرغبات والمطامع والمطالب الحيوية المادية, فاذا هزتها المخاوف والأخطار والشدائد, ألقت عنها غطاءها فظهرت. ولذلك سمي غير المؤمن كافرا, ومعنى الكافر في لسان العرب الساتر. ومن العجيب أني وجدت تأييد هذه الفكرة في كلمتين متباعدتين, في الزمان والمكان والظروف والقصد, ولكنهما متقاربتان في المعنى.
كلمة لعابدة مسلمة تقية معروفة هي رابعة العدوية وكلمة لكاتب فرنسي ملحد معروف وهو (أناتول فرانس). وأناتول فرانس يقول في معرض كفره والحاده: ان المرء يؤمن اذا ظهر بنتيجة فحص البول, أنه مصاب بداء السكري, " يوم لم يكن قد عرف الانسولين..).
ورابعة, قيل لها: ( ان فلانا أقام ألف دليل على وجود الله), فضحكت وقالت: دليل واحد يكفي, قيل: وما هو؟, قالت: لو كنت ماشيا لوحدك في الصحراء, وزلّت قدمك فسقطت في بئر, لم تستطع الخروج منها, فماذا تصنع؟ قال: أنادي يا الله.. قالت: وداك هو الدليل.
وستالين الذي يقول: لا اله والحياة مادة, والدين علقة تمتص دماء الشعوب, سرعان ما يضعف أمام هول الحرب العالمية الثانية ونيرانها الملتهبة؛ فيخرج القساوسة من السجن ليدعو له بالنصر.
ومرة ثانية امام شدة المرض وسكرات الموت يرسل وراء قسيس حتى يصلي له ويستغفر.
الحكمة أن الله تعالى لا يرى في الدنيا
الحكمة أن الله تعلى لا يرى في الدنيا وجوه: الأول أن الدنيا دار أعدائه لأنها جنة الكافر.
الثاني: لو رآه المؤمن لقال الكافرلو رأيته لعبدته.
الثالث: أن المحبة على غيب ليست لها كالمحبة على العين.
الرابع: أن الدنيا مجل المعيشة ولو رآه الخلق لاشتغلوا عن معايشهم فتعطلت مصالحهم.
الخامس: أنه جعلها بالبصيرة دون البصر ليرى االملائكة صفاء قلوب المؤمن.
السادس: ليقدر قدرها اذ كل ممنوع عزيز.
السابع: انما منعها رحمة الله بالعباد لما جبلوا عليه عليه في هذه الدار من الغيرة.
دليل وجود الله في أنفسنا
نبهنا الله في القرآن الكريم بكلمة واحدة, على أن الدليل فينا, فكيف ننكر قضية قد سطّر على جباهنا ما يشعر بصدقها, قال تعالى:{وفي أنفسكم أفلا تبصرون} الذاريات 21.
فنحن نشعر من أعماق قلوبنا بأنه موجود نلجأ اليه في الشدائد والملمات, بفطرتنا المؤمنة, بغريزة التدين فينا, ونرى الأدلة عليه فينا, وفي العالم من حولنا, فالعقل الباطن يؤمن بوجوده بالحدس, والعقل الواعي يؤمن بوجوده بالدليل.
فكيف لعمري يجحد الله الجاحد, وهو الدليل على وجوده؟! انه كمن يحمل ماله بيده, ويدّعي أنه لم يلمسه ولم يأخذه, ومن يلبس ثيابه مبتلة يقطر منها الماء, ويدّعي أنه لم يقرب الماء. هذه حقيقة الحقائق, ولكن لماذا نجد أكثر الناس لا ينتبهون اليها؟!.
لجواب: لأنهم لا يفكرون في أنفسهم.
{نسوا الله فأنساهم أنفسهم}. الحشر 19.
دليل الامام الشافعي على وجود الله تعالى
جاء أحد الملاحدة الى مجلس الامام الشافعي رضي الله عنه فقال له: ما دليلك على وجود الله؟ فقال الامام: ورقة التوت طعمها واحد, ولونها واحد, وريحها واحد, ولكن حين تأكلها دودة القز يخرج منها الحرير وحين تأكلها النحل يخرج منها العسل, وحين تأكلها الشاة ينمو فيها اللحم ويزداد فيها اللبن, وحين تأكلها الظباء تغذيها وينعقد في نوافجها المسك, فمن الذي جعل هذه الأشياء متعددة الافرازات, مختلفة النتائج مع أن الغذاء واحد؛ انه (الله).
{فتبارك الله أحسن الخالقين)
دليل الامام جعفر الصادق على وجودالله تعالى
وجاء زنديق الى الامام جعفر رضي الله عنه يجادله في وجود الحق تبارك وتعالى, فقال له الامام: هل ركبت البحر؟ قال: نعم؛ قال: هل رأيت أهواله؟ قال: لقد هاجت يوما رياحه الهائلة, فكسرت السفن وأغرقت الملاحين؛ فتعلقت ببعض ألواحها, ثم ذهب عني اللوح, فاذا أنا مدفوع بتلاطم الأمواج حتى دفعت بي الى الساحل.
فقال الامام جعفر: لقد كان اعتمادك قبل على السفينةوالملاح, ثم على اللوح حتى ينجيك, ق\فلما ذهبت عنك هذه الأدوات أسلمت نفسك للهلاك, ومع ذلك كله ترجو السلامة فيما بعد؟ قال: بل رجوت السلامة. قال جعفر ان (الله) هو الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت, وقد أفرّ به قلبك عند الشدّة, وان انكره لسانك عند النجاة, وهو الذي أنجاك من الغرق. وصدق الله العظيم:
{واذا مسّكم الضرّ في البحر ضلّ من تدعون الا ايّاه, فلما نجّاكم الى البرّ أعرضتم, وكان الانسان كفورا}. الاسراء 67.
الامام أبو حنيفة يناقش الملحدين
ويروى أن الامام الفقيه أبا حنيفة رضي الله عنه الذي كان كالسيف المصلّت على طائفة الدهرية وهم الذين يؤلهون الدهر وينسبون الموت الى الشيخوخة واستهلاك خلايا الجسم, فقد هجموا على الامام ذات يوم في المسجد, وعلى حين غفلة ليفتكوا به ويستريحوا منه, فقال لهم في ثبات وايمان: أجيبوني عن مسألة؟ ثم افعلوا بي ما شئتم, فقالوا: سل؟
فقال: ما تقولون في رجل يقول لكم: اني رأيت سفينة مشحونة بأحمال, مليئة بأثقال, تتقاذفها في لجة البحر أمواج متلاطمة, ورياح عاصفة, وهي مع ذلك تجري مستوية بلا ملاح يقودها ولا متعهد يدفعها, هل يجوز ذلك في العقل؟
فقالوا: هذا شيء لا يقبله العقل.
فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله, اذا لم يجز في شرعة العقل, سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا ربان, فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أعمالها, وسعة أطرافها, وتباين أكنافها من غير صانع ولا حافظ.
فبهتوا جميعا وقالوا: صدقت ثم أسلموا وانصرفوا تائبين.
انظر الى ما حولك ثم فكّر وتدبّر!...
أما الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فشبّه كيفية الخلق بقلعة حصينة ملساء لا فرجة فيها, ظاهرها كالفضة المذابة وباطنها كالذهب الابريز, ثم انشقت الجدران وخرج من داخل القلعة حيوان سميع بصير, قال الامام أحمد: أفيحدث هذا بلا صانع؟ وعنى بالقلعة البيضة, وبالحيوان الفرخ, وبالفضة البياض وبالذهب الصفار:
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
فابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة
وانظر الى الشمس التي جذوتها مستعرة
فيها ضياء وبهاء حرارة منتشرة
من ذا الذي أوجدها في الجو مثل الشررة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
وانظر الى الليل فمن أوجد فيه قمره
وزانه بأنجم كالدرر المنتشرة
وانظر الى الغيم فمن أنزل منه مطره
وانظر الى المرء وقل من شق فيه بصره
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمره
لغة الحشرات
يذكر القرآن الكريم في سورة النمل على لسان النمل ما نصّه:{ قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} النمل 18.
هل النمل يتكلم؟ من قال لنا ان النمل يتكلم؟ قالت نملة وهل يعقل هذا؟ فوق قدرة العقل عندما نزل القرآن فلم يكن مجتمع النمل معروفا؛ ولم نكن نعرف أن للنمل لغة تخاطب بها بعضها البعض. ولم يصبح ( علم الحشرات) علما حديثا تجريبيا له قوانين مدونة ومختبرات وعلماء وبحوث تجريبية الا في القرن العشرين.
ان النمل في القرآن له لغة يتفاهم بها؛ ويقولون انها لغة بشفرات خاصة؛ بل ان النمل هو الحشرة الوحيدة التي تدفن موتاها بعد المعارك؛ تماما كما يفعل الانسان, والتي تعقد المؤتمرات في بعض الأحيان, ويدور فيها نقاش. والنمل هو الحشرة القادرة على تخدير الحشرات الأخرى الأكبر منها بحيث تفرز مادة معينة... تفرزها نحو المراكز العصبية للحشرة الكبيرة فتجعلها مشلولة وعاجزة عن الحركة, ثم تقطعها قطعا صغيرة. وقبل الشتاء يقوم النمل بتخزين غذائه؛ وانه من المستحيل أن ينشأ ذلك بهذه الدقة في مجتمع ليس بين أفراده لغة للتفاهم؛ لغة تشمل كل أمور الحياة.
وهكذا أنبأنا القرآن الكريم بأن للنمل لغة يتكلم بها قبل أن يكتشف العلم الحديث هذه الحقائق بمئات السنين ان للنمل لغة يتكلم بها ويتفاهم, وان له مجتمعا هو في قمة النظام والتعاون والحركة الدائبة المستمرة.
ان النملة الصغيرة وهي خارجة من حجرها كيف ترى طريقها؟ وكيف تتحرّك؟ وهل لها أمعاء للهضم؟ ثم تابعها بعد ذلك بنظراتك حتى تصل الى قوتها الذي ستحمله بعد ذلك وهو أكبر منها بمرة أو مرتين أو أكثر... وعندما تعجز عن حمله؛ ستراها تعود بعد ذلك الى جحرها دون أن تضل الطريق لكي تجتمع هناك بأهلها وتخبرهم بخبر هذا القوت الذي عجزت عن حمله؛ ثم تخرج بعد ذلك من حجرها وهي تقودصفا طويلا من النمل الى مكان القوت الذي سيحملونه جميعا بالتناوب كما تحمل الجنازة, الى أن يصلوا بها الى مخازنهم. ثم تأمّل بعد هذا كيف يخزن هذا القوت وكيف يحافظ عليه من التلف. ان النملة تقوم قبل تخزين هذا القوت بفلق حبة القمح الى فلقتين لأنها لو تركت كما هي لنبتت؛ كما تقوم بفلق حبة الكزبرة الى أربع فلقات لأنها لو فلقت فلقتين لنبتت, فتدبّر أيها القارئ الكريم من الذي علّمها كل هذا؛ وغرس في فطرتها هذه المهارة العجيبة.
ويقول الله تعالى مخاطبا النمل في السورة الخاصة بهم:{ وقالت نملة ادخلوا مساكنكم لا يحطّمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} النمل 18.
ومساكن النمل تتوفر فيها الحماية الكاملة؛ فهي على عمق الأرض وليست على سطح الأرض؛ وانما يقم النمل بمضغ لب الأشجار ثم يصنع منه عجينة خاصة كالورق المقوّى, ذات أشكال هندسية تتحمّل الضغط العالي؛ ثم يقوم بتبطين باطن الأرض بها وليست من السهولة أن تصل الى بيت النمل حتى ولو تتبعته؛ ذلك أن له عدة مداخل ومخارج.
عجائب الخالق في البحر
ونأتي الى البحر فنجد فيه سمكا صغيرا اسمه السلمون يمضي سنوات في البحر ثم يعود الى نهره الخاص به. فمن ذا الذي علمه مكان مولده بهذا التحديد؟ انه الله؟ فتبارك الله أحسن الخالقين...
كذلك ثعبان الماء وهذه المخلوقات العجيبة متى اكتمل نموها هاجرت من مختلف الأنهار والبرك, واذا كانت في أوروبا قطعت آلاف الأميال في المحيط الى أن تصل الى الأعماق السحيقة جنوبي جزيرة برمودا فتبيض ثم تموت؛ وتأتي الض\صغار فهل تبقى في أماكنها؟ كلا.. انها تعود أدراجها الى الشاطئ الذي جاءت منه امهاتها.. فمن الذي أرشدها لهذا؟ وأودع في فطرتها وغرائزها هذه الدقة المتناهية؟.. انه الله فتبارك الله أحسن الخالقين.
الجامدية
النطيط الأمريكية تحك ساقيها أو جناحيها معا, فيحدث صوتا؛ ان هذا الصوت الذي تحدثه لجلب رفيقها؛ أتدرون كم هي المسافة التي يقطعها ليستجيب الى النداء؛ انه يسمع الصوت من مسافة نصف ميل؛ وكم يهز من أطنان الهواء, انه يهز ستمائة طم من الهواء. فمن الذي جهزها بهذه الامكانيات الباهرة انه الله.., فتبارك الله أحسن الخالقين.
اذا عميت البصائر فلا ينفع نور النواظر
بينما امرأة عجوز تمشي الهوينا؛ مرّ بها أعرابي يقود بعيرا فقالت له: الى من تحمل الهدية؟
فقال: هذه ليست هديّة وانما هي هدى.
قالت: وما هداك؟
قال: كتاب في الدليل على وجود الله.
فضحكت العجوز فاستغرب الأعرابي وقال: ألم أنبئك بالصريح فلم هذا الضحك يا أمّاه؟
قال: يا بني أنا لست أضحك منك وانما أضحك ممن لا يقرّ بوجود مولاه بعد مشاهدة هذا الكون وما فيه من الآيات؛ بينما هو قانع بحمل بعير.
فقال لها: أما علمت أنها اذا عميت البصائر فلا تقرأ النواظر.
فقالت: صدقت.
ثلاثة يناظرون عالما من العلماء
كان أحد العلماء عاكفا على بستان له؛ لا يخالط أحدا من الناس فسمع به ثلاثة من الذين يسخرون من أمثاله؛ فقال قائل منهم: هلموا بنا نناظره, فلما ذهبوا اليه وأجمعوا أن يسألوه أشار اليهم أن ادنوا أو تكلموا, فتقدم الأول وقال: أنتم تقولون: الله موجود وبناء على قولكم أطلب أن أرى الله؛ فأشار اليهم نعم.
وتقدم الثاني وقال له: أنتم تقولون العذاب يوم القيامة بالنار, والجن خلقت في الأصل من النار, فكيف تعذب النار بالنار؟
ثم تقدم الثالث وقال له: أنتم تقولون أن كل شيء يسير بالقضاء والقدر فأيّا ما تقولون يشير بأن الانسان غير مؤول عن أعماله, وأنا أرى أن المرء يخلق أعماله.
فما كان من هذا العالم المسؤول الا أن أخذ حفنة من التراب وذرّها في وجوههم وقال لهم: هذا جوابي لكم على ما سألتموني.
فأجمعوا أمرهم وقالوا: لا بد من سياقه الى المحاكمة. ومشوا به الى الحاكم, فسأله الحاكم: أصحيح ما يقولون من رميك بالتراب في وجوههم؟ قال: نعم, قال له: ولما؟ قال العالم: لأن الأول سألني أن أريه ربّه, حيث انه موجود, فقل له أن يرني الألم الذي تألم به من حفنة التراب وأنا أريه ما يريد, فسأل الحاكم المشتكي هل يمكنك أن تريه الألم؟ قال: لا, قال العالم: قل لهذا الجاهل ليس كل موجود يرى.
وأما الثاني فسالني عن كيفية عذاب الجن بالنار يوم القيامة, واستبعد ايلام الشيء بمادته. فقل له: لماذا تألم هذا الانسان من التراب وهو مخلوق منه.
وأما الثالث فسألني عن معنى القضاء والقدر, وقال لي: لا بد أن أسلم له بأن المرء مجبور على أعماله, ونسي ما للانسان من الاختيار الكسبي, فاذا كنت أنا لا اختيار لي فيما فعلت به من ذر التراب, فلماذا ساقني الى هذه المحاكمة, فنطق الحاكم وقال لهم: لا تروموا أن تحيطوا بالله خبرة فانه أعظم من أن تدركه فطن المخلوقات الا من آثاره.
أبو حنيفة يحاجج الملحدين
ان مكان هذا الاجتماع بغداد بلد اشعاع الفكر الاسلامي آنذاك, وان سبب هذا الاجتماع الكبير هو وصول وفد من خارج البلاد جاء ليناقش علماء المسلمين في (الله) جلّ جلاله, وقد وقع الاختيار على كبير العلماء آنذاك وهو الشيخ حماد شيخ أبي حنيفة رضي الله عنما وبينما الناس في انتظار الشيخ اذا بأبي حنيفة يظهر فجأة ويحيي الحاضرين ويقول: ان الاشيخ أكبر من أن يحضر هذا الاجتماع لمثل هذه المسائل. وقد اختار أصغر تلاميذه وهو أبو حنيفة النعمان بن ثابت ليرد على أسئلتكم.. وجلس أبو حنيفة النعمان في مكانه مع الوفد, وما أن أخذ مكانه في المجلس مع الوفد حتى انهالت عليه الأسئلة وهي:
قالوا: في أي سنة ولد ربّك؟
قال أبو حنيفة: الله لم يولد والا كان له أبوان, و لم يلد والا كان له أولاد والقرآن واضح في وصفه ومحدد:
{لم يلد ولم يولد} الاخلاص 3.
قالوا: في أي سنة وجد ربك؟
قال: الله موجود قبل التاريخ والأزمنة والدهور (لا أول لوجوده).
قالوا: نريد منك اعطاءنا في الجواب أمثلة من خلال الواقع المحسوس؟
قال لهم: ماذا قبل الأربعة؟
قالوا: ثلاثة.
قال: وماذا قبل الثلاثة؟
قالوا: اثنان.
قال: وماذا قبل الاثنين؟
قالوا: الواحد.
قال: وماذا قبل الواحد؟
قالوا: لا شيء قبله.
فقال لهم: اذا كان الواحد الحسابي, لا شيء قبله, فما بالكم بالواحد الحقيقي وهو الله:( انه قديم لا أول لوجوده).
فقالوا له: في أي جهة يتجه ربك؟
قال لهم: لو أحضرتم مصباحا في مكان مظلم, ففي أي جهة يتجه النور؟
قالوا: يتجه في جميع الجهات.
فقال لهم: اذا كان هذا حال النور الصناعي هكذا, فما بالكم بنور السموات والأرض؟
قالوا: عرّفنا شيئا عن ذات ربك؟ أهي صلبة كالحديد, أم هي سائلة كالماء, أم هي غازية كالدخان والبخار؟
فقال لهم: هلا جلستم بجوار مريض مشرف على النزع الأخير ( الموت).
قالوا: جلسنا.
قال: هل يكلمكم بعدما أسكته الموت؟
قالوا: كلا.
قال: كان قبل الموت يتكلم فصار بعد الموت ساكنا وكان يتحرّك فاذا به متجمدا فما الذي غيّر حاله؟
قالوا: خروج روحه من جسده.
قال: أخرجت روحه؟
قالوا: نعم.
قال: صفوا لي هذه الروح؟ أهي صلبة كالحديد, أم سائلة كالماء, أم غازية كالدخان والبخار؟
قالوا: لا نعرف شيئا عنها.
فقال لهم: اذا كانت الروح وهي مخلوقة لا يمكنكم الوصول الى كنهها, أفتريدون مني أن أصف لكم الذات الالهية؟
قالوا: في أي مكان ربك موجود؟
قال لهم: لو أحضرتم كأسا مملوءة بحليب طازج, فهل في هذا الحليب من سمن؟
قالوا: نعم.
قال: وأين يوجد السمن في الحليب.
قالوا: ليس في مكان خاص, بل هو شائع في كل جزيئات الحليب.
فقال لهم: اذا كان الشيء المخلوق وهو السمن ليس في مكان خاص, أفتطلبون أن يكون للذات الالهية مكان دون مكان؟ ان ذلك لعجيب....
قالوا: اذا كانت كل الأمور مقدرة قبل أن يخلق الكون فما صناعة ربك؟
قال لهم: أمور يبديها, يرفع أقواما ويخفض آخرين..
قالوا: اذا كان لدخول الجنة أول فكيف لا يكون لها آخر ونهاية, بل ان أهلها خالدون فيها.
قال لهم: الأرقام الحسابية لها أول وليس لها نهاية..
قالوا: كيف نأكل في الجنة ثم لا نتبول ولا نتغوّط؟
قال لهم: أنا وأنتم وكل مخلوق, مكث في بطن أمه تسعة أشهر يتغذى من دماء أمه لا يتبول ولا يتغوّط؟
قالوا له: كيف يتأتى أن تزداد خيرات الجنة بالانفاق منها, ولا يمكن أن تنهي أو تنفد؟
قال لهم: العلم كلما أنفقت منه, ازداد ولم ينقص..
هل رأيت الله
قال أعرابي لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه: هل رأيت الله حين عبدته؟
فقال: لم أكن لأعبده من لم أره..
قال: فكيف رأيته؟
قال: لم تره بالأبصار بمشاهدة العيان, ورأته القلوب بحقائق الايمان, لا يدرك بالحواس, ولايشبّه بالناس, معروف بالآيات, منعوت بالعلامات, لا يجور في القضيات, ذلك الله الذي لا اله الا هو..
فقال الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
من عجائب صنع الله
وحدثني أحد العلماء قال:
من طريف ما مرّ بي أن أحد أصدقائي وضع زهاء ثلاثين بيضة دجاج معها بيضة واحدة لطير مائي في ماكنة تفريخ وبعد مرور المدة فقس جكيع البيض ونزلت الفراخ من الماكنة, وبعد نزولها توا ذهبت فراخ الدجاج الى الحديقة تبحث في التراب, وانفرد عنها فرخ الطير المائي فذهب الى الساقية يسبح, ولم تغره الجمع الكثيرة من الفراخ ليذهب معها, فمن ذا الذي أعلمه بأنه طير مائي وأرشده الى ذلك, وهو لم يشاهد أمه أو واحدا من جنسه؟
انه الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
وهذه ظاهرة كونية عجيبة في لقاح شجرة التين
انه يوجد في نوع شجر التين شجر منه يعرف بذكر التين. وفي أوساط الربيع وبعدما يورق كلّ ذكره وأنثاه يخرج كل منهما حبا صغيرا وهو ثمره المعتاد, غير أن الملاحظ في ذلك أن حب الذكر يكبر بسرعة, حتى اذا تهيأت الأنثى للقاح حسب سنة الله تعالى فان حب الذكر قد ينع, فيأخذ الفلاح ثمرة الذكر اليانعة فيعلقها بأغصان الشجرة الأنثى, فيخرج من حبة الذكر المعلقة ذباب صغير في غاية الصغر, ويعرف الذباب طريقه الى حبة الأنثى فيدخل في مكان على سطحها قد أعد لذلك هو أشبه ما يكون بفرخ حيوان, فيدخل ذلك الذباب حاملا معه مادة بيضاء قد علقت بجسمه الصغير, ثم يخرج منها بعد أن يكون قد أتم عملية التلقيح, ليدخل في حبى أخرى ليلقحها وهكذا حتى يلقح عددا كثيرا من حبات التين الصغيرة المهيأة للتلقيح وبعدها يموت ذلك الذباب وقد أتم مهمته التي خلقه الله تعالى لها.
هكذا تتم هذه العملية المعقدة العجيبة التي هي من أقوى البراهين على وجود الله تعالى, وقدرته, وعلمه, وتدبيره, فسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى, لا اله الا هو ولا رب سواه.
الملحدون وأبو حنيفة مرّة أخرى
لقد دعي الامام أبو حنيفة لمناظرة بعض الزنادقة الملحدين.. وضرب لذلك موعد محدد..
ولما حان الموعد المضروب, اجتمع الزنادقة في المكان المحدد, على ملأ من الناس..
وتأخر الامام أبو حنيفة عن الموعد المحدد..
وانتظره المجتمعون, حتى ضاقوا ذرعا بلك التأخير.. وأخذ الزنادقة يتباهون اعجابا بأنفسهم وبما يدعون من انكار وجود الله الخالق سبحانه, متخذين من غياب الخصم عن موعد المناظرة دليلا على عجزه عن اثبات ما يدعيه.
وما كان تيه الملحدين بأنفسهم وبدعواهم يبلغ أوجه, وما كاد تبرم الحاضرين من تأخر الامام يبلغ ذروته حتى حضر الامام أبو حنيفة.
وبادر الخصوم بالاعتذار عن تأخره, محتجا بأنه كان مزمعا على الحضور في الوقت المحدد, فقال:
لقد كنت على الطرف الثاني من نهر دجلة, ولم أجد مركبا ينقلني عبر النهر, فاضطررت الى الانتظار طويلا, غير أني لم أظفر بحاجتي.
ولما يئست من وصول مركب ينقلني الى الشاطئ الآخر من النهرهممت بالعودة الى منزلي.. غير أني رأيت على النهر من بعيد, ألواحا من الخشب قادمة بنفسها, وما ان وصلت قريبا مني, حتى بدأت هذه الألواح الخشبية ينظم بعضها بعضا لتصير بين يديّ زورقا حسنا فركبته وقطعته النهر, وقدمت اليكم!!
فقال الزنادقة جميعا أتهزأ بنا يا أبا حنيفة؟!.
فقال لهم: هذا ما اجتمعتم لتحاجوني فيه..
فاذا كنتم لا تقبلون أن زورقا يصنع بنفسه, فكيف تدّعون أن هذا الكون المتقن العجيب, بما فيه من سماء وارض وانسان وحيوان, قد وجد بنفسه, وجرت حوادث تغيّراته هكذا, من غير خالق موجد؟!!
فبهت الزنادقة, ووقفوا لا جوابا, بعد أن لزمتهم الحجة الدامغة, وأسلموا على يده رضي الله عنه...
هل يحتاج الى دليل
سئل أحد العارفين عن الدليل على الله فقال: الله!
فقيل له: فما العقل؟ فقال: العقل عاجز لا يدل الا على عاجز مثله.
أما الامام الكبير العارف بالله ابن عطاء الله السكندري الذي جمع بين رئاسة الشريعة ورئاسة الحقيقة فانه يقول: الهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك؟
أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الاثارة هي التي توصل اليك؟
كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء؟!
كيف يتصوّر أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء؟!
كيف يتصوّر أن يحجبه شيئ وهو الذي ظهر في كل شيء؟!
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء؟!
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء؟!
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء؟
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب اليك من كل شيء؟
كيف يتصوّر أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود شيء؟ شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه, المستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله, والاستدلال عليه من عدم الوصول اليه, والا فمتى غاب حتى يستدل عليه, ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل اليه؟!..
بين الايمان والالحاد
قال مدرّس ملحد لطلابه:
كل ما ترونه بأعينكم فهو موجود لا محالة.
قالوا: نعم.
قال: أنتم ترون الآن اللوح والقلم والدفتر والكرسي فهذه كلها موجودة أمامنا نراها ونلمسها أليس كذلك؟
قالوا: بلى.
قال لهم: هل ترون الله؟
قالوا: لا.
قال: اذن الله غير موجود.
وتحيّر الطلاب من أمر أستاذهم ولم يسمعوا مثل هذا القوم من قبل أبدا وكلهم يؤمنون بوجود الله تعالى دون أن يروه. ولكن الله تعالى أبى الا أن يظهر زيف أستاذهم فاذا بأحد الطلاب يستأذن بالسؤال فيؤذن له فقال الطالب لاخوته: هل سمعتم ما قال أستاذنا؟
قالا: نعم.
قال: هل ترون أستاذنا الأن؟
فأجابوا: نعم هو موجود أمامنا.
قال لهم: هل لأستاذنا عقل؟
قالوا: نعم.
قال: هل رأيتم عقله؟
قالوا: لا.
قال: انه بناء على برهانه السابق أن كل موجود لا يرى, والذي لا يرى غير موجود, اذن ليس لأستاذنا عقل طالما نحن لم نره..
فضحك الجميع على الأستاذ من ذكاء الطالب الذي سخّره الله تعالى لدحض باطله وأسقط في يده, ولم يعد يكرر مثل هذه السخافات التي لا تنطلي على أحد.
طريق الايمان بالله التفكير في مخلوقاته
وعلى ذلك فالطريق الى الايمان بالله هو التفكير في مخلوقاته, لأن النفكير في ذاته مدعاة الى الزيغ والضلال, لأن ذات الله فوق الحس وفوق العقل, فهي وراء الكون والانسان والحياة, ومثل هؤلاء الذين يحاولون ادراك ذات الله والاحاطة بها وتصوّرها كمن يحاول أن ينقل ماء البحر ليضعه في حفرة صغيرة, كما حصل مع رجل مؤمن مرّ عليه كافر وهو على شاطئ البحر, فدعاه المؤمن الى الايمان بالله, فأبى الا ان يرى الله جهارا.
فقال المؤمن: سأريكه, فانتظر حتى أنتهي مما بين يدي.
ثم حفر حفرة, وأخذ يغرف من ماء البحر ويصب فيها, وطال انتظار الكافر, فصاح به ضجرا: ماذا تفعل؟!
قال: أريد أن أنقل ماء البحر وأضعه في هذه الحفرة.
قال الكافر: وهل تستطيع هذه الحفرة الصيرة أن تستوعب ماء البحر؟ لا يفعل ذلك عاقل!!
قال المؤمن: ما دامت الحفرة لا تستطيع أن تستوعب ماء البحر, فكيف تستطيع أنت ذو الجسم المادي المحدود والعقل المحدود أن تستوعب ذات الله سبحانه! غير المحدود وغير المادة؟!
العقل عاجز..
ان العق لا يستطيع أن يدرك شيئا حتى يحصره بين اثنين: الزمان والمكان, فما لم ينحصر بينهما لم يدركه العقل بنفسه. فلو قال لك مدرّس التاريخ, ان حربا وقعت بين العرب والفرس, ولكنها لم تقع قبل الاسلام ولا بعده, ولم تقع في زمن من الأزمان, ولكنها وقعت فعلا, لم تدرك ذلك ولم تصدقه, ولم تقبله.
ولو قال لك مدرّس الجغرافية, ان بلدة ليست في سهل ولا في جبل, ولا في بر ولا في بحر, ولا في أرض ولا في سماء, ولا مكان من الأمكنة, ولكنها موجودة, لم تدرك ذلك, ولم تصدقه, ولم تقبله.
فالعقل لا يحكم الا في حدود الزمان والمكان. فما كان خارجا عنهما من مسائل الروح, وأمور القدر, وآلاء الله وصفاته, فلا حكم للعق عليه.
ثم ان العقل محدود, لا يحكم على غير المحدود ولا يستطيع أن يحيط به. تصوّر خلود المؤمن في الجنة! ان عقل المؤمن موقن بأنه حقيقة وقد جاءه هذا اليقين من الخبر الصادق. ولكن انظر هل يحيط عقلك بالخلود؟ ركز فكرك فيه, تجد أنك تتصوّر بقاءهم في الجنة قرنا وقرنين, ومئة قرن, ومليون وألف مليون, ثم تجد عقلك يقف عاجزا, ويسأل: وبعد؟ انه يريد أن يضع اذلك نهاية. انه لايدرك ال (لا نهاية), واذا افترض الوصول اليها وقع التناقض الذي يقول ببطلانه.
ان للفيلسوف الألماني (كانت) كتابا مشهورا, في اثبات أن العقل لا يستطيع أن يحكم الا على عالم المادة وحده. ولكن ما قال به (كانت) قاله علماؤنا من قبل وردّدوه وأثبتوه حتى صار كالبديهية المسلّمة, وصار الكلام فيه كالحديث المعاد حتى متناقضات (كانت) المشهورة, سبق اليها علماؤنا, وبيّنوا بالأدلة الرياضية أن الدور والتسلسل باطل.
فالعقل لا يستطيع أن يحكم, ولا يصح حكمه الا في الأمور المادية المحدودة. أما وراء المادة, علم الغيب (الميتافيزيك), فلا حكم للعقل عليه. وهذا الذي أثبته كانت, وقاله علماؤنا من قبل, موجود في كتاب "شرح المواقف" للسيد, ورسالة " المقصد الأسنى" للغزالي وسائر كتب علم الكلام.
وهناك حوار مفيد يردده الحائر
أنتم تقولون أن الله موجود, وعمدة براهينكم قانون السببية الذي ينص أن لكل صنعة صانعا ولكل خلق خالقا ولكل موجود موجدا. فالنسيج يدل على النساج والرسم يدل على النسّاج والنقش يدل على النقّاش, والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الاله القدير الذي خلقه. صدقنا وآمنّا بهذا الخالق, ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسال, ومن خلق الخالق؟
من خلق الله الذي تحدثونا عنه؟ ألا تقودنا نفي استدلالاتكم الى هذا؟ وتبعا لنفس قانون السببية؟ ونحن نقول له ولكل حائر مثله: سؤالك فاسد فأنت تسلم بأن الله خالق. ثم تقول من خلقه؟؟ فتجعل منه خالقا ومخلوقا في نفس الجملة, وهذا تناقض.
والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تصوّر خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته.. فالسببية قانوننا نحن أبناء الأرض, فالزمان والمكان في الأرض وهو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا بقوانين الزمان والمكان. والله هو الذي خلق السببية فلا يجوز أن نتصوّره خاضعا لقانون السببية الذي خلقه.
أما أرسطو فقد استطرد في تسلسل الأسباب قائلا: ان الكرسي من الخشب والخشب من الشجرة, والشجرة من البذرة والبذرة من الزراع.. واضطر الى القول بأن هذا الاستطراد المتسلسل في الزمن اللانهائي لا بد أن ينتهي بنا في البدء الأول الى سبب في غير حاجة الى خالق.. وهو نفس ما نقول عن الله.
لماذا لا نرى الله كما نرى بقية الأشياء
الجواب: في البداية نحيل هذا اللسؤال العلم ولنستمع اليه حول مسائل المادة وغير المادة في هذه الحياة..
يقول العلم: ليس كل ما يشاهده الانسان وحده الموجود في الطبيعة فهناك أشياء كثيرة لا يشاهدها الانسان.. فلو وضعت على سبيل المثال قطعة من المغناطيس ووضعت امامها قطعة حديد لشاهدت جذب المغناطيس لقطعة الحديد.. فأين هذه القوة التي تقع بين الحديد والمغناطيس؟ هل نلمسها هل نشاهدها؟ هل نتذوقها؟.. لقد عرفنا فقط وجودها من خلال آثارها ومفعولها حينما بدأت بسحب قطعة الحديد اليها, علما بأنها تسحب حديدا وليس خشبا.
وهذه الجاذبية مخلوقة, كذلك الأمر بالنسبة للألوان, فنحن نشاهد الألوان على شدة عتمها وهي مارّة أمام أبصارنا.. لكننا لا نشاهدها الا عندما تصطدم بالقماش أو الحائط أو اللوحة أو أي شيء آخر, وحسب ما تحتويه تلك المواد من موجات طولية, فاذا كان لون القماش قد امتصّت كل الألوان ما عدا اللون الأخضر فنشاهد اللون الأخضر طاغيا عليه, وقس على ذلك المنوال بقية الألوان, حيث تسير على هذه القاعدة فاننا لا نحس بالألوان عندما تعرض أمام أعيننا الا عندما تصطدم بالمادة المعاكسة لها, والا فأين الألوان؟ وهي على أشد عتمها؟
خذ مثلا آخر الكهرباء, هي الأخرى لا نشاهدها في الأسلاك الحاملة لها الا عندما نضغط على زر المصباح ونشاهد اشتعال المصباح وعند ذلك ندرك بأن في الأسلاك المعدنية شيئا اسمه الكهرباء. فأين الكهرباء؟ وهي في الأسلاك؟
وكذلك الأشعة فوق البنفسجية. والجاذبية.. وهناك العشرات من القضايا والمواد التي يحدثنا عنها العلم الحديث والتي لا نشاهدها الا من خلال الأثر الذي تتركه أو التأثير بما يحيط بها.
فالذي خلق هذه الأشياء التي لا نشاهدها وهي مخلوقات بسيطة بالنسبة لخلق العالم أو الوجود, فمن باب أولى أن لا نشاهد (الله) الذي خلق المغناطيس والألوان والأشعة المافوق البنفسجية والكهرباء.. والتي لا نشاهدها انما نحس بوجودها.
ما هو شكل الله؟
لا نعرف لله شكلا, وهو أمر خارج عن نطاق البحث العقلي, واذلك فنحن حين أدركنا وجود هذه المخلوقات وأدركنا تبعا لذلك وجود خالق خلقها وهو الله تعالى, أما رؤية الله تعالى فهي فوق عقولنا وادراكنا ولذلك تستحيل رؤية الله في الدنيا بل لا يجوز ان نبحث عن ذلك مطلقا.
فلو أنني أخذت قلم الحبر الذي في يدي وهو من صنع احدى الدول الأجنبية فأنا مؤمن كما أنك أنت مؤمن بوجود مهندس صمم القلم وأن هناك آلة صنعته.. فنحن آمنا بوجود قوى أو بوجود ماكنة صنعت القلم, الا أننا لا نعرف شكل هذه الماكنة المتعلقة التي صنعت القلم. لكنني أستطيع أن أذهب الى تلك الدولة وأشاهد الماكنة التي صنعت القلم.
نقول: ان الموضوع في ذهابك الى تلك الدولة لمشاهدة ماكنة صنع القلم.. لكن نحن الآن نؤمن بأن ما من شيء في الوجود الا وله مسبب وأن مثالنا للقلم متعلق بموضوع ما يتعلق بالقلم الآن, من حيث ايماننا بماكنة صنع القلم بدون مشاهدتها حينما استخدمنا عقلنا في بحث ما هية القلم وليس البحث عن شكل الماكنة فنحن آمنا بوجود الماكنة دون أن نراها وهو مركز البحث فيما بيننا, أضف الى ذلك فانك تعرف أن أحد طلابك قد تستطيع أن تصفه لأنه تحتك وتتعامل معه دائما ولكنك لا تستطيع أن تصف خالقا.
هل هناك تعارض بين الايمان والعلم؟
هل هناك تعارض بين الايمان والعلم؟ ان العلم في الحقيقة يدعو الى للايمان.
ويقول الأستاذ علي الطنطاوي في كتابه تعريف عام بدين الاسلام:
(.. ان العالم الحقيقي لا يكون الا مؤمنا, وان الالحاد والكفر انما يبدوان عند أنصاف العلماء, وأرباع العلماء. فمن تعلم قليلا من العلم خسر بذلك -الفطرة المؤمنة- ولم يصل الى العلم الذي يدعو الى الايمان, فوقع في الكفر).
وقال ألبرت آينشتاين:
(.. ان الايمان بلا علم ليمشي مشية الأعرج, وان العلم بلا ايمان ليتلمّس تلمّس الأعمى).
ويقول ألبرت ماكوب دنتشر أستاذ الأحياء بجامعة بايلور وعميد أكاديمية العلوم بفلوريدا سابقا:
(.. ان اشتغالي بالعلوم قد دعم ايماني بالله تعالى حتى صار أشد قوة وأوثق أساسا مما كان عليه من قبل, وليس من شك أن العلوم تزيد الانسان تبصيرا بمقدرة الله عز وجل, وكلما اكتشف الانسان جديدا في دائرة بحثه ودراسته ازداد ايمانا بالله ويقينا به).
وقال الطبيب باستور:
(.. ان العلم الصحيح لا يمكن أن يكون ماديا, ولكنه خلاف ذلك يؤدي الى زيادة العلم بالله).
وقال الكيمائي الخبير وتسز, عضو أكاديمية العلوم وعميد كلية الطب:
(.. اذا أحسست حينا من الأحيان أن عقيدتي بالله قد تزعزعت وجهت وجهي الى أكاديمية العلوم لتثبيتها).
وقد أجرى العالم الألماني دنيرت دراسة احصائية حلل فيها الآراء الفلسفية لكبار العلماء الذين أناروا العقول في الأربعة قرون الأخيرة وكان عددهم (290) عالما فوجد ما يلي:
(38) منهم لم يصلوا الى عقيدة ما.
(242) أعلنوا ايمانهم بالله على رؤوس الأشهاد.
(20) لم يكونوا يبالون بالوجهة الدينية.
وهذا يعني أن (92%) أظهروا ايمانهم أمام الناس. فهذه النسبة الكبيرة تدل دلالة صريحة على أن التناقض بين الايمان والعلم الذي يزعم الماديون أنه وصف مميز للعلماء ليس أصل. وتشير أيضا الى أن الايمان والعلم يتكاملان ولا يتنافيان.
وأخيرا لا يمكن لأي حقيقة علمية أن تصطدم مع آية قرآنية أو حديث نبوي ثابت صحيح, وان اصطدمت فان هذا يعني أنها نظرية لم تثبت بعد. وما أكثر النظريات العلمية التي كنا نعدها حقائق علمية ثابتة, ثم ترتجع عنها أصحابها في حياتهم, أو ثبت خطأها من جاء بعدهم.
ولا ننسى أن العلماء في ميادين الطب والفلك والجغرافية وغيرها من العلوم التجريبية المحضة في هذا القرن قد ألقوا السلاح وكفّوا أيديهم عن محاربة الدين والغيب, وأخذوا يعترفون تحت ضغط الحقائق العلمية وأبحاث الفضاء بوجود الله, وبأنه صاحب الارادة المدبّرة لهذا الكون وما فيه. وأصبح العلم يثبت وجود الله وأصبح العلم مرادفا للغيب لا مناقضا له.
ان الدنيا كلها تقف عاجزة امام قدرة الله سبحانه وتعالى.. وقد تحدّى الله الانسان في أن يخلق أشياء بسيطة.. وما زال العلم عاجزا أن يقترب منها.
{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له, ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه, ضعف الطالب والمطلوب* ما قدروا الله حق قدره, ان الله لقوي عزيز} الحج 73-74.
عجز الانسان أمام الله عز وجل
نحن حين نتحدث عن قدرة العلم الذي اتخذه البعض من الناس (الها جديدا), ونتحدث عن هذه القدرة, لننسى تماما أن العلم وقف عاجزا امام أشياء أراد الله بها أن يظهر عجز الانسان وعلومه.. ونحن في هذا لن نتحدث عن الروح وعالمها, ذلك أن العلم خارج هذا الميدان تماما. ولكننا سنتحدث عن أشياء ماديّة لنرى بالدليل القاطع عجز الانسان الذي وصل الى القمر أن يقدم لنا هذه الأشياء البسيطة.
قدرة الله في الماء
ولنبدأ أولا في الماء ذلك الذي يملأ الدنيا ذلك السائل المركّب من عنصرين فقط هما الهيدروخين والأكسيجين, ماذا قال عنه الخالق سبحانه وتعالى:
{ ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} الواقعة 69.
من الذي خلق الماء؟ وأنزله من السحاب؟ الله سبحانه وتعالى. والعلم, ذلك العملاق الكبير ألا يستطيع أن يصنع الماء.. أو ينزل المطر.. ألا يستطيع أن يسقينا كوب ماء.. هذا الاله الجديد, نريد منه كوب ماء من خارج المختبرات الكيميائية.
أذكر حين كنت منذ أقل من خمس سنوات في نيويورك وحدثت أزمة في الماء.. لقد انخفض مستوى الآبار التي تشرب منها المدينة.. وأصبحت المدينة مهددة نتيجة لعدم سقوط الأمطار بالكميات المطلوبة. وبدأ اضطراب شديد في المدينة حتى أنه طلب من السكان تقييد استهلاكهم للماء والاقلال من الاستحمام. وبدأ العلم يتدخل محاولا حل هذه الأزمة, فجاؤوا بأشياء تحدث سحبا صناعية, حاولوا أن يجعلوا السماء تمطر بأي وسيلة, صرفوا مئات الملايين من الدولارات ثم ماذا حدث؟ لا شيء, ولا قطرة ماء واحدة لماذا؟
ان السحاب في تكوينه ومسيرة طريقه هو من خلق الله, تمر السحابة فوق مناطق جدباء محناجة الى الماء فلا تمطر, وتمر نفس السحابة فوق مناطق مليئة بالمياه والينابيع والأنهار والبحيرات فتمطر, لماذا لم يتمكن العلم والعلماء ومن جعل السحابة تمطر هنا وهناك, لماذا لم يجعلوها تمر فوق هذه الأرض وتترك تلك لتي لا تحتاج ياهها. ان العلم يجيبنا بأن العلماء ما زالوا في طور التجارب, ونحن نؤكد بأن استمرار الحياة من مياه وغيوم وحرارة ورياح وغيرها هي من قدرة الخالق الأعظم الذي يدفع الحياة الى مسمّى وهنا يبدو عجز العلم أمام قدرة الله.
قدرة الله في اللبن
ويشير القرآن الكريم بقوله تعالى:{ نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين} النمل 66.
اللبن معجزة الهية أخرى, فالبقر والجاموس لا يأكل شيئا مميزا تستطيع أن تقول ان صنع اللبن يتم منه, انه يأكل كل شيء, وأي شيء, ومع ذلك فاللبن مادة أساسية يستطيع أن يعيش عليها الانسان.. هل استطاع العلم أن يصنع اللبن.. لقد استطاعوا أن يحللوه, هذا صحيح, استطاعوا أن يزيدوا انتاجه بدراسات تجريبية على البقر والجاموس, واستطاعوا أن يعرفوا مكونات المواد التي تدخل في تركيبه وصنعه, هذا صحيح, ولكن هل استطاعوا أن يصنعوه؟؟
وأمامنا مؤخرا تجربة أجريت أخيرا في أحد مختبرات امريكا.. فقد جاؤوا في المختبر بجميع المواد التي يتكون منها اللبن, وخلطوها بنفس النسب الموجودة في اللبن الطبيعي ثم جاؤوا بعشرين فأرا, أعطوا عشرا منها لبنا طبيعيا والعشرة الأخرى لبنا مصنوعا سرعان ما ضمرت ثم ماتت, والأخرى التي أعطيت لبنا طبيعيا كبرت وزاد حجمها ووزنها واستمرّت في الحياة, ومع حاجة البشرية الى اللبن فان العلم لا زال عاجزا أن يسقي أطفالنا كوبا من اللبن. واللبن الصناعي المعلّب الذي نسمع عنه يصنع من كثير من مركّبات اللبن الطبيعي.
وأوضحت دراسات أجريت مؤخرا في جامعة هارفرد الآثار السيئة التي تفتك بصحة الأطفال جسميا ونفسيا من انتشار اللبن الصناعي للرضاعة.
ما الذي نريد قوله من خلال هذه الأمثلة, نريد أن نقول أن الله عز وجل أعطى الانسان العلم وكان في علمه بأنه هو وحده القادر على كل شيء منذ أزل الآزلين, انما يقول للشيء كن فيكون.. كان في علمه أن الانسان سيصاب بالغرور, وسيحاول أن يعبد ما صنعت يداه بالعلم الذي أعطاه الله له, لذلك وضع الله سبحانه وتعالى اعجازا في الخلق ليتحدى به غرور الانسان الذي قد تدمي مقلتيه ذبابة أو تؤذي يديه شوكة صغيرة, فاذا به يقف عاجزا لا يستطيع أن يفعل شيئا. ويدرك أنه مهما علا وتقدّم ووصل الى القمر أو المريخ في المستقبل فانه دائما عاجز امام قدرة الخالق وسيظل عاجزا حتى يبعث من القبر.
لماذا نبتعد وعندنا المثل الدامغ في القرآن
{ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له, ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه, ضعف الطالب والمطلوب* ما قدروا الله حق قدره} الحج 73-74.
ان الله سبحانه تحدّى العالم كله بامكانياته الهائلة أن يخلق ذبابة واحدة. لقد استطاع العلم أن يخرج الانسان من الأرض متغلبا على جميع الصعاب وأن يهبط به على سطح القمر, واستطاع أن يرينا الانسان في ملايين الأمكنة لمتعددة في وقت واحد عبر شاشات التلفزيون, وأن يسمعنا آلاف الناس من مئات البلاد عبر المذياع ولكنه لم يستطع مطلقا أن يخلق ذبابة واحدة. بل لم يستطع أن يخلق جناح ذبابة.. ان الله عز وجل يريد أن يقول له: انه بالرغم من كل ما أعطيته لك من علم فأنت عاجز امام قدرة الخالق وستبقى كذلك عاجزا.
ان كل ما اكتشفه العلم والعلماء طيلة آلاف السنين هو مجرّد جزء يسير جدا من الخصائص والقوانين التي وضعها الله في الكون, فالعلم لم يصنع الجاذبية ولم يمسك السموات والأرض ولم يصنع المغناطيس في الحديد والطبيعة, ولم يخلق الغلاف الجوي الذي نطير فيه ولم يصنع الكهرباء ولم يضف الى الماء خاصية التبخر, ولم ينتج البترول ومشتقاته الكثيرة, ولم يعط الهواء الأكسيجين اللازم للحياة, ولم يوزع الهيدروجين والنيتروجين والأكسيجين حول الأرض بنسب ثابتة وحول النابات بمعايير دقيقة, ولم يجعل للهواء ضغطا يستطيع أن يحمل أثقالا كالجبال ولم يصنع للمياه والسوائل كثافة ووزنا, ولكنه اكتشف فقط أسمائها وبعض قوانينها التي خلقها لصالح الانسان. فهل يصح بعد هذا كله أن نستخدم نعم الله لانكار وجوده والكفر بعظمته؟!.
والكون من حولنا مليء بالأسرار التي لا تنتهي:
لله في الآفاق آيات لعلّ
أقلّها هو ما اليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار اذا
حاولت تفسيرا لها أعياك
من كلام الشيخ متولي الشعراوي
يقول الشيخ متولي:
ان العقول التي ستأتي بعد قرون ستجد مجالها في أسرار الله تعالى لتكتشف, وبذلك سر الحرف في القرآن الكريم حيث يقول الله تبارك وتعالى:
{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق, أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فصّلت 53.
فنحن الآن نقرؤها: {سنريهم} وقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيقرؤها الناس بعد القرن الثلاثين { سنريهم}, وهو معنى المستقبل في أن أسرار الكون لا تنتهي أبدا بل ان اكتشاف أسرار الله الى أن تقوم الساعة, ومن هنا وجب على العاقل اذا حدّث بشيء لا يدركه أن لايحكم عليه طيشا بأنه غير موجود, والا كان هذا النوع من الانكار غباء وتناقض مع العقل والفطرة.
الغيبيات الخمس
نأتي بعد ذلك الى معجزة فريدة وهي الغيبيات الخمس التي اختص الله بها لنفسه, والتي تلخصها الآية الكريمة:{ ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام, وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت, ان الله عليم خبير} لقمان 34.
هذه الغيبيات الخمس ما زالت من علم الله الخاصة به وبعظمته حتى هذه الساعة, وربما يكون العلم قد استطاع أن يضع حسابا تقديريا وافتراضا تخمينيا لبداية خلق الأرض ولكنه لم ولن يستطيع تحديد النهاية. ان علم الساعة هو من اختصاص الخالق وحده.
وتحدّثت الآية الغيث وهو المطر, وانضح لنا أن العلم لم يستطع تغيير مسارات الغيوم والسحاب عن طريقها الذي حدده الخالق, والا لأمكن العلماء ارواء الصحاري القاحلة وتحويلها الى جنة خضراء في الوقت الذي تسيطر به المجاعات اليوم على ثلثي سكان العالم في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. وبالرغم من التقدم الطبي والعلمي الكبير في عالمنا المعاصر فما زالت أسرار الأرحام مجهولة بالنسبة للعلم, لا يستطيع أن فيها الى حل.
ولقد اكتشفت احدى المستشفيات في ولاية بوسطن الأمريكية أنه من الممكن اكتشاف نوع المولود بعد استكمال عملية التخلق الالهي بتحليل افرازات رحم الأم واستخدام الأشعة قبل الولادةز ورغم ضآلة هذا الاكتشاف فان المقصود بالآية الكريمة أن الله يعرف ويعلم ما في الأرحام (ساعة الخلق والتكوين) وليس بعد ذلك. ورغم الضجة التي أحدثها ذلك الكشف العلمي من التنبؤ بنوع الجنين فان درجة الحماس سرعان ما انخفضت لأن مدّة الحمل ما زالت غير معروفة علميا الا في حدود الافتراضات والتخمينات غير الثابتة. وهذه الافتراضات تأخذ متوسط المدة بين الحد الأدنى والأعلى, وهذا نفسه يختلف بين أم وأم وبين ولادة عادية أو ولادة متعسّرة وبين بلد وبلد, وما زالت التجارب المختبرية تجري في العالم لمعرفة عدد أيام الحمل بالضبط.. وان كل التنبؤات رغم استخدام العقول الالكترونية وأشعة الليزر ما تزال داخل اطار التخمينات ولم تقترب من الحقيقة ولم تصل اليها.
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا, فبالرغم من التقدم المذهل في عالم الرياضيات والاحصاء للتنبؤ بمستقبل الصناعات وتكنولوجيا الزراعة فان الانسان ورزقه ظلا بعيدين جدا عن هذه لتنبؤات وهو من الغيب الذي لا يعلمه الا الله, ولا يمكن لأي انسان مهما بلغ من العمر أن يعرف رزقه غدا.
وأخيرا لا تدري نفس بأي أرض تموت, فرغم التقدم الكبير في الصحة ووسائلها ومعرفة متوسط الأعمار فان من العسير والصعب التنبؤ بما سيعرض له الانسان من أعراض محتملة خلال حياته فيعالج منها ما يمكنه قبل حدوثها بشكل مفاجئ وخطير أو يتخذ أساليب الوقاية قبل احتمال هجومها عليه.
{ وما تدري نفس بأي أرض تموت} لقمان 34.
لكن الانسان ما زال عاجزا عن ذلك وجاهلا لمعرفة المكان الفعلي لانتهاء حياته فيه. وتحضرنا قصة طريفة لأحد أثرياء لبنان وهو (اميل البستاني), الذي أراد أن يسخر كل شيء حتى الموت, وكانت أمواله وقصص النجاح التي حققها تحيطه بهالة غريبة من الاعجاب, وقد كان في أول حياته يمشي أميالا ليوفر ثمن رغيف الخبز لأمه, ثم نجح وتقدم وأصبح مليونيرا مشهورا.
وأراد هذا الرجل أن يسخر من الموت فبنى لنفسه مقبرة فاخرة في لبنان وما زالت موجودة حتى الآن, وقد استورد لها الرخام من ايطاليا.. وصنع لنفسه حجرة من أفخر أنواع الرخامك, وكلفته المقبرة مئات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية ليجعلها تحفة باقية, وكان في يوم عيد ميلاده يدعو أصدقاءه لاحتفال يأخذهم الى المقبرة حيث يواصلون شرب الخمور حتى الصباح, وطلب منهم أن يكرروا هذا الاحتفال بعد موته كل سنة لذكراه. وقال لهم ضاحكا: سأشرب معكم وأحتفل معكم حتى بعد موتي..
ودارت الأيام وكان البستاني في رحلة بالطائرة التي تعرّضت لحادث فوق البحر وهي تقترب من لبنان, وسقطت مشعلة النار في مياه البحر.. ونشرت الصحف والاذاعات أخبار الحادث, وهرعت فرق الانقاذ والمراكب للبحث عن الجثث في الحادث فوجدوا كل جثث المفقودين في البحر الا جثة واحدة لم يعثروا لها على أثر ألا وهي جثة اميل البستاني. والذي يزور بيروت سيجد المقبرة هناك لزيارتها, أما جثته فمكانها هو قاع البحر الأبيض المتوسط وبطون أسماكه التي أكلت لحمه.
المصادفة والطبيعة
{أم خلقوا من غير شيء أم هم لخالقون} الطور 35.
كان السخفاء من الملحدين من أنصاف المتعلمين, يقولون: ان الطبيعة أوجدت الانسان, والطبيعة وهبت العقل للانسلان, وكان من المعلمين الذين يقول لنا هذا ونحن صغار. كان ذلك أيام الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها من أولئك المعلمين الذين تتلمذوا على التمدن الغربي في لندن وباريس وغيرهما, فحسبوا أنهم صاروا يعدون بذلك من (المتنورين) في تلك الأيام, مثل كلمة (التقدميين) الآن. ولكن زمان ألفاظ وعناوين يحاول أصحابها استجداء الناس بها والايقاع بهم من خلالها. كما يحاول الأمريكيون الايقاع بالهنود من أمريكا عن طريق الخرز والثياب الملونة ليأخذوا بدلا منها ثرواتهم وارضهم وكل ما يملكون.
وحين امتد بنا العمر, سألنا: ما هي الطبيعة؟ ان كلمة طبيعة في اللغة على وزن –فعيلة_ فاذا كانت مطبوعة فمن طبعها؟؟..
قالوا: الطبيعة هي المصادفة.. قانون الاحتمالات..
قلنا هل تعرفون ما مثل هذا الكلام؟
مثاله: اثنان ضاعا في الصحراء, فمرّا على قصر كبير عامر, فيه الجدران المزخرفة المنقوشة, والسجاد الثمين, والساعات والثريات.
قال الأول: ان رجلا بنى هذا القصر وفرشه.
فرد الثاني عليه وقال: أنت رجعي متأخر, هذا كله من عمل الطبيعة..
قال: كيف كان بفعل الطبيعة؟؟
قال: كان هنا حجارة فجاءها السيل والريح والعوامل الجوية قتراكمت وبمرور القرون بالمصادفة صارت جدارا.
قال: والسجاد؟
قال: أغنام تطايرت أصوافها وامتزجت, وجاءتها معادن ملونة وصبغتها وتداخلت وصارت سجادا.
قال: والساعات: حديد تآكل بتأثير العوامل الجوية, وتقطع وصار دوائر وتداخل, ومع مرور القرون, صار على هذه الصورة.
مثال آخرللمصادفة
لو جاء رجل وأخبرنا أن دارا للطباعة بها صندوق من الحروف يكفي لتصفيف كتاب, فأصاب الدار هزة من زلزال عنيف, فتيساقطت تلك الحروف على بعضها فكونت بالصدفة كتابا ذا أبواب, وفصولا علمية مختلفة, وفي مواضيع شتى, كمثل من يقول: ان رجلا أعمى غرزت له ابرة في لوحة, وأعطي ألف ابرة, وقيل له ارم هذه الابر واحدة بعد الثانية لتدخل في ثقب الابرة الأولى, والثالثة في عين الثانية وهكذا بطريق الصدفة حتى تدخل كل الابر بعضها في بعض, والرجل كما علمنا أعمى لا يبصر شيئا, فهل يوجد عاقل يصدّق بصحة هاتين العمليتين؟
اللهم لا, لأن هذا من المستحيل الذي لا تقبله العقول ولا تقره لمخالفته أبسط قواعد المنطق, واذا فكيف يصدق أن الكون كله بما فيه من ابداع وتنظيم في كل ذرة من ذراته قديم بطريق الصدفة والتلقائية؟
اللهم ان مخلوقا يصدق هذه الترهات لا تصح نسبته قطعا الى مستوى العقلاء ولا يذكر في عدادهم أبدا. وكالصدفة عند الملاحدة تأتي الضرورة.
ويقول ابن قيّم الجوزية رحمه الله, وقد استدل بهذع اللفظة (طبيعة), على الخالق عز وجل اذ يقول: انه ليأخذني العجب من تعنّت هؤلاء الخفافيش, انهم ينسبون الخلق والايجاد للطبيعة, وليس لله تعالى, فكأنهم يقولون: ان الأموات خلقوا الأحياء, ووجدوهم, اذ كيف يخلق الجماد أحياء؟!..
ويقول ابن القيّم: وكأني بك أيها المسكين تقول هذا كله فعل الطبيعة, وفي الطبيعة عجائب وأسرار, فلو أراد الله أن يهديك لسألت نفسك بنفسك, وقلت: أخبريني عن هذه الطبيعة؟ أهي قائمة بنفسها, وهل لها علم وقدرة على هذه الأفعال العجيبة؟ أم ليست كذلك؟ بل عرض وصفة قائمة بالمطبوع, تابعة له, محمولة فيه, فان قالت لك: بل هي قائمة بذات نفسها, لها العلم والقدرة, والارادة والحكمة, فقل لها: هذا هو الخالق البارىء فلم تسميه: طبيعة؟
وان قالت لك: بل الطبيعة عرض محمول, مفتقر الى هذا كله, لقدرة أعلى فعلها بغير علم منها ولا ارداة ولا قدرة ولا شعور.
كيف تصدر هذه الأفعال العجيبة والأحكام الدقيقة ممن لا عقل له ولا قدرة ولاحكمة ولا شعور لديه؟ وهل التصديق بمثل هذا الا جنون في سلك المجانين؟
ولو تأملت في قولك (طبيعة) على صيغة (فعلية) بمعنى مفعولة أي مطبوعة, ومعلوم أن الطبيعة من غير طابع لها هو أمر مستحيل.
هل في الالحاد تحرر
لقد ظن هؤلاء في أنفسهم,وزعموا لغيرهم أنهم تحرروا من كل عبودية, وأنهم نبذوا الخضوع للاله نبذ النواة, ووضعوا الايمان بالرب وراء الظهور وكذبوا, ولقد كشفت معظم كتابات المسلم الفرنسي الفيلسوف رجاء جارودي بأنهم في حقيقة الأمر استبدلوا بالعبودية للخالق, العبودية للمخلوق, واستبدلوا بالاله الواحد آلهة شتى, واتخذ بعضهم أربابا من دون الله, وبذلك هبطوا من أعلى مراقي الحرية الى حضيض درجات العبودية حين عطلوا عقلهم وضميرهم عن العمل وعن البخث السليم للوصول الى حلاوة الايمان.
مناقشة حزل أصل الانسان وموت نظرية داروين!..
من هو الانسان؟
وننتقل الآن الى أصلنا نحن البشر, قالوا: ان أصل الانسان قرد أو كلب, ولقد خسء القائلون؟؟ وقال الله في محكم تنزيله:
{الذي أحسن كل شيء خلقه, وبدأ خلق الانسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} السجدة 7-8.
وكرّم الله الانسان حين أمر الملائكة أن يسجدوا لأدم وحين ردد القرآن آيات التكريم للانسان.
{ولقد كرّمنا بني آدم} الاسراء 70.
{نحن خلقناكم فلولا تصدقون} الواقعة 57.
ومع ذلك كله, فهناك بين الناس منكرون وجاحدون لا يريدون التصديق ويبدؤون في البحث عن نظريات يهودية: (ماسونية المصدر), ان الملحد بينهم يريد البحث عن نظرية داروين, وسبنسر, وكونت, وماركس, لتؤكد حيوانيته وتجرده من انسانيه القرآنية فتوهمه بأنه خلق بالصدفة من أصول القرود والكلاب والضفادع.
ويقول العالم كريس موريسون في كتابه "العلم يدعو للايمان": "ان نظرية أصل الانسان كقرد, قد كذبها العلم الحديث والاكتشافات الانثروبولوجية والآركيولوجية التي أحدثت ضجة عالمية في أوائل السبعينات وقد برهنت أن بين النوعين فارق شاسع, ففي الانسان خواص لا توجد في القرد منها قدرته على التفكير, ووجود الوحدات الجماعية من القببيلة والأمة, والحزب والدين, ومنها خواص بيولوجية وسيكولوجية وديموغرافية وأنثروبيولوجية وفيويولوجية وانثولوجية ومورفولوجية عديدة".
كما عثر في مقابر حجرية على جثث وعظام منذ ملايين السنين قبل الميلاد, لمئات القبائل من الأفراد, وحيواناتهم الدنيا. ولم يوجد بينها تلك السلسلة الافتراضية التي زعم وجودها داروين والاعلام الصهيوني اليهودي.
وبذلك انكشفت مع أوائل السبعينات أخطر أكذوبة يهودية في التأكيد المعاصر على وجود حلقة مفقودة بيم شكل الانسان, وشكل الحيوانات الدنيا. ولقد أنكر الدكتور والاس أن يكون الانسان قد تم عن طريق التطور والارتقاء حيث قال: "ان الارتقاء بالانتخاب في الطبيعة لا يصدق على الانسان ولا بد من القول: بخلقه رأسا".
وقال فرجو: " انه قد تبيّن لنا من الوقائع أن بين الانسان والقرد فرقا نوعيا بعيدا فلا يمكننا أن نحكم بأن الانسان هو من سلالة القرود أو غيرها فذلك مجرّد تخمينات ومزاعم لا برهان لها".
ان الفكرة التي يعتنقها الداروينيّون عن تناسل نوع جديد بواسطة نوع سابق ليست الا افتراضا اعتباطيا يتعارض مع الآراء الفيزيولوجية الرصينة والحقائق العلمية الحديثة. وأخيرا فقد اعترف كبار أصحاب النظريات الداروينية بعجزهم وقالوا بالحرف الواحد:
ان نظرية النشوء والارتقاء هي - فرضية – وليست ثابتة علميا, ولا سبيل الى اثباتها بشكل قطعي وانما أثبتت فقط باعتبارها البديل الوحيد عن الايمان بالله.
وفي أواخر السبعينات حملت محطات التلفزيون عن احدى جامعات أمريكا, وهي جامعة كاليفورنيا خبرا عالميا عن كشف علمي خطير.. ماذا كان هذا الكشف العلمي؟ لقد وجد أحد الذين يقومون بالحفريات: الحلقة المفقودة بين الانسان والقرد: جمجمة انسان وفك قرد, واشترت الجامعة في كاليفورنيا هذا الاكتشاف العام بستة ملايين دولار.
وبدأت الأبحاث والمقالات ونشطت الأقلام.. والسخرية ممن يؤمنون بخلق الانسان من الخالق. وبعد انقضاء أسبوع واحد على هذا الاكتشاف الخطير, وعلى هذه الزفة الاعلامية الصهيونية التي غطت العالم, اذا بالجامعة تعلن عن أسفها لأنها وقعت في خطأ علمي, نتيجة وجود محتال علمي بين فريق الباحثين لقد جاء هذا الباحث بجمجمة انسان, وفك قرد.. ولحمهما معا بطريقة بارعة لم تكتشف الا بأدق الأجهزة الالكترونية والأشعة, وطبعا هرب المحتال بالملايين الستة آلاف وبقيت الجامعة في حسرة وألم..
وبقيت الحلقة المفقودة بين الانسان والقرد كما يدّعون – لا وجود لها - الا في ادّعاءات المختلسين, ولصوص العلم, ومخدري العقول من أقطاب الصهيونية الدولية التي تخصصت بفنون التزوير وأباطيل السوق السوداء للتزييف والابتزاز واستنزاف الناس. وكذلك اختفت أيضا حلقة الاتصال بين حيوان وحيوان أعلى أو أدنى, وبقي الخلق سرا من أسرار الكون لن يصل اليه أحد.
وفاء الحيوان وعقوق الانسان
ان العبد اذا أساء معاملة سيده قالوا عنه: عبد عاق, واذا أساء الولد معاملة والديه قالوا عنه: ولد عاق. زاذا أنكر العبد وجود ربه فماذا يقولون عنه؟ ملحد, منكر, كافر, نجس, بل هو كل هذه الصفات.
وان هؤلاء الملاحدة هم أحطّ درجة من الكلاب, بل اذا قلنا عنهم كلاب فقد ظلمنا الكلاب, وأسأنا اليهم لأن الكلاب أوفى منهم. والحيوانات أرقى منهم في كثير من الاعتبارات. قارنوا بين وفاء هؤلاء القساة ووفاء هذا الحيوان, قارنوا بين عقوق هؤلاء ووفاء الحيوان.
حادئة بليغة رآها جمهور المشاهدين في السيرك القومي بالقاهرة, قفز الأسد على مدربه المدعو محمد الحلو من الخلف وأنشب مخالبه في كتفه وأصابه بجرح بالغ فاتك, وبعد لحظات شاهد الأسد دم مربّيه ينزف فامتنع عن الطعام, وحبس نفسه في زنزانته لا يبرحها. ونقل الأسد الى حديقة الحيوان وقدّموا له أنثى فضربها وطردها وظلّ على صيامه ورفضع للطعام ثم انقضّ على يده الآثمة التي ضرب بها مدرّبه وظلّ يمزقها حتى نزف ومات. فيا ليت هؤلاء الملحدين كانوا بهذا المستوى من الاحساس والوفاء للحق. حيوان ينتحر ندما وتكفيرا عن جريمته وعقوقه, لكن هؤلاء لا شعور لهم.
ولنقارن بين شعور هذا الحيوان وهو يرتد الى ضميره ليحاسبه وبين الطغاة الذين يفتكون في شعوب العالم ويقيمون المجاعات في أفريقيا وآسيا ويشعلون الحرب في كل مكان, ويهدمون القرى بأسلحة الدمار فوق رؤوس الأطفال والنساء في أفغانستان وفلسطين والشيشان والفيليبين وكشمير, وبعد مسيل أنهار الدماء بكل أنحاء العالم يقفون ليتحدثوا ويحتفلوا بيوم حقوق الانسان, وبيدهم عصا الفيتو يلذعون بها ظهور الشعوب الفقيرة المستضعفة, وهذا هو نوع العالم الذي نعيش فيه حين لا يسمح للاسلام أن يقول كلمته ليحكم ويحرر الناس من كل ألوان العبودية.
مخططات رهيبة حول التشكيك
يذكر أحد الدعاة المسلمين فيقول:
· لقد حضرت تجربة في احدى الدول التي زرتها لتعليم الأطفال الشرك وعدم الايمان بالله.. والطفل الصغير الذي فتح عينيه على الدنيا انما يملأ الايمان قلبه بأن الله يعطيه كل ما يريده في أشياء صغيرة جميلة.. ماذا كانوا يقولون له؟..
كانوا يقولون: اطلب من الله لعبة.. وينتظرون عليه يومين.. ثم يسألونه: أين اللعبة؟ فيقول: لم تأت.. فيقولون: اطلب منا لعبة.. ويجاب الى طلبه في الحال.. وهكذا كل الأشياء التي يشتهيها الطفل.. ليثبتوا في قلبه أن الله غير موجود.. وأن عليه أن يتجه الى الانسان.
· سئل رئيس مدرسة تبشيرية في فلسطين كم مسلما نصّرت؟ فضحك وقال: لا تقول كم مسلما نصّرت ولكن سلوني كم معول هدم صنعت من أبناء المسلمين لهدم الاسلام؟!..
· وفي مؤتمر الطلاب الذي انعقد سنة 1865 في مدينة لايبزغ التي تعتبر احدى المركز الماسونية أعلن الماسوني المشهور صموئيل في الطلاب الوافدين من ألمانيا, واسبانيا, وروسيا وانكلترا, قائلا: يجب أن يتغلب الانسان على الاله, وأن يعلن الحرب عليه, وأن يحرق السموات ويمزقها كالأرواق.
فمرحى مرحى بالملاحدة عملاء الماسونية العالمية فقد كشفوا تماما عن عوراتهم ورفعوا البراقع عن وجوههم وبرزت للعيان هوياتهم.
{ان الله لا يصلح عمل المفسدين} يونس 81.
حلاوة الايمان!
*ان من عرف الله سبحانه هو الذي ذاق طعم الايمان, ويقول بعض الصالحين: انه ليمرّ على القلب أوقات أقول فيها: ان كان أهل الجنة في مثل هذا, انهم لفي عيش طيّب, وقال آخر: لوعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجاحدونا عليه بالسيوف.. أما الآخر فقال: انه ليمرّ بالقلب أوقات يهتز فيها طربا بأنسه بالله تعالى.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال:" ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحد نبيّا ورسولا".
ولقد سألأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت بالله مؤمنا, قال:" ان لكل قول حقيقة فما حقيقة ما تقول؟" قال: ما أصبحت صباحا قط وظننت أني أمسي, وكأني بأهل الجنة فيها يتنعمّون, وبأهل النار فيها يتصايحون, وكأني أرى عرش ربي بارزا لفصل القضاء, فقال صلى الله عليه وسلم:" وقد عرفت فالزم".
*قال بعض السلف: رأيت الجنة والنار حقيقة. فقيل له: كيف؟ قال: رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهما بعينيه, ورؤيتي لهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم آثر عندي من رؤيتهما بعيني, فان بصري قد يزيغ عند رؤيتهما, اما بصر الرسول صلى الله عليه وسلم فما زاغ وما طغى.
لهذا كانوا سعداء بايمانهم في الدنيا والآخرة.
*وقالوا لأعرابي اشتد مرضه: انك ستموت!
فقال: والى أين يذهب بي بعد موتي..
قالوا: الى الله.
فقال: ويحكم وكيف أخاف الذهاب الى من لا أرى الخير الا عنده.
*ودخل أحدهم على الامام أحمد فقال له: عظني يا امام. فقال له:
1.ان كان الله قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟؟
2.وان كانت النار حقا فالمعصية لماذا؟؟
3.وان كانت الدنيا فانية فالطمأينة لماذا؟؟
4.وان كان الحساب حقا فالجمع لماذا؟؟
5.وان كان كل شيء بقضاء الله وقدره فالخوف لماذا؟؟
6.وان كان سؤال منكر ونكير حقا فالأسى لماذا؟؟
فخرج الرجل من مجلس الامام وعاهد نفسه أن يرضى بقضاء الله وقدره.
*وقال آخر مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها, قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله ومعرفته, وذكره.
من عظمة ربك أنك لا تدركه
ونعود الى الانسان الجاحد الذي يريد أن يرى الخالق.. هذا الانسان يجيد الصناعة ويصنع هذه الصناعات بنفسه. هذه الصناعات ات تؤدي ضرورة في الحياة انما تؤدي الى ترف في الحياة, الحق تبارك وتعالى امدّ الانسان بضروريات الحياة وجعل في هذه الضروريات تكافؤ الفرص بصورة مرتبة, الهواء, الماء, الطعام.
الانسان حين يصنع صنعة مثل الكوب, اذا صنع أكواب صغيرة فهل باستطاعته أن يجعلها تنمو؟ لا. لأنه يصنع حسب قدرته, والله يصنع حسب قدرته. اذن كيف يصنع هذا الكوب؟ لا بد من رمال, لا بد من مصنع, لا بد من انصهار...
الكوب الذي لا يؤدي ضرورة في الحياة وراء هذه الامكانيات, اذن نبحث وراء الأشياء حتى ننتهي الى سببها الأول فاذا وجدنا مسببا بلا سبب نقف, نسأل صانع الكوب: كيف تتم صناعة الكوب؟ يقول لنا: اجلب الرمل من الصحراء, واصهره في المكان الفلاني! ونذهب الى الصحراء فنسأل الرمل. أنت مصدرك من أين؟ لا جواب لأحد, انتهى السبب. اذن اذا امتنعت يد الانسان فقد بدأت يد الله, ونقيس هذا على بقيّة الصناعات.
فأتفه الأشياء في صناعتنا لو يوجد الا هكذا. فاذا كان الحق تبارك وتعالى ترك لنا أن نصنع الأشياء لأجل أن يدلنا على الكلمة التي كانت تقال من أن الصنعة تدرك من صنعها؟ اذا سألنا كوب الشاي مثلا أو المنضدة أو الدار من الذي صنعك, هل نسمع جوابا لذلك؟ كلا.
اذن فالصنعة لا تدرك من صنعها, وقس على نفسك أيها الانسان, ادن أنت صنعك الله, واذن لا تستطيع أن تدركه. ومن عظمته أنك لا تدركه, ولو أردركته لم يصلح أن يكون الها. لماذا؟ لأن ادراك العقل لشيء أو ادراك العين يجعل العكس.أنت اذا أدركت الخالق انقلب القادر مقدورا والمقدور قادرا ولا ينقلب القادر مقدورا والمقدور قادرا أبدا. اذن فمن عظمة ربك أنك لا تدركه.
{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} الأنعام 104.
أيريدون أن يروا الله بأعينهم
انهم يريدون أن يروا الله بأعينهم التي ق\في رؤوسهم الآن بارزا أمامهم, وهل تقدر العيون الضيّقة العاجزة المدى أن ترى الله جهرة؟ هيا لنرى ونبحث قدرة العين التي يشترط الكافرون للايمان أن تحيط بربها ادراكا, هل تقدر العين أن ترى الهواء الذي يلامسها ويمتد أمامها مئات الكيلومترات؟
هل ترى العين جاذبية الأرض التي تجذب اليها كل الأجسام؟ وهل تقدر أن ترى؟ الجواب: لا.. لا..
هل ترى العين أمواج الاذاعة التي تبثها المحطات في العالم ومحطات اللاسلكي والتلفزيون وهل تقدر أن ترى ذلك؟
الجواب: لا.. لا..
هل ترى العين الروح التي تسكن في الأجسام الحية فتوجد الفرق بين الحي والميّت؟ وهل ترى العين العقل الذي يفرّق بين المجنون والعاقل؟ وهل تقدر أن ترى ذلك؟
الجواب: لا.. لا..
وهل تقدر العين أن ترى القوى التي يجذب بها المغناطيس قطعة الحديد؟
الجواب: لا.. لا..
وهل تقدر العين أن تتحمل ضوءا قريبا يوجه اليها من كشاف أو مصباح قوي؟
الجواب انها لا تستطيع احتمال شدّة النور.
اذن هذه العين تعجز أن ترى كثيرا من الأشياء القريبة منها ولا تتحمّل شدة النور القريب منها.
واذن هل تستطيع العين المحدودة أن تدرك الأشياء البعيدة أو تتحمل النور القوي البعيد عنها؟ هيا لنرى.
هل تستطيع العين أن ترى من بالمكان المجاور؟ الجواب: لا.. لا..
هل تستطيع العين أن ترى قارات الأرض بأجمعها؟ الجواب:لا..لا..
هل تستطيع العين أن ترى جميع نجوم السماء؟الجواب: لا..لا.. فهي لا ترى الا القليل, واذا ظهر ضوء القمر لم تر الا أقل القليل قال تعالى: {ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير} الملك 4.
وهل تستطيع العين ان تتحمّل مشاهدة قرص الشمس في رابعة النهار؟
الجواب: لا.. لا..
اذن هذه العين عاجزة محدودة لا تستطيع أن ترى ما بعد عنها ولا ما اشتدّ نوره عليها ولا تقدر على ذلك كما تعجز أن ترى كثيرا من الأشياء اللطيفة القريبة منها...
فهل تستطيع هذه الأعين الضعيفة المحدودة أن ترى الله؟
هيا لنرى:
المسافة بيننا وبين الشمس 93 مليونا من الأميال تقريبا, ويقطعها الضوء في 8 دقائق تقريبا, لأن الضوء يقطع في الثانية: 300000 كيلومترا. وأقرب نجم -غير الكوكب- الينا لا يصلنا منها الضوء الا بعد أن يسافر منه في مدة أربع سنوات وخمسة أشهر تقريبا.
وبعض النجوم يستغرق سفر الضوء منها الينا مئة سنة وبعضها الف سنة وبعضها مليون سنة وبعضها ستة بلايين سنة, وهو فوق الثانية الواحدة يقطع 300000 كيلومترا, فأين تقع هذه النجوم اذن؟ فاقرأ معي قول الله عز وجل:
{فلا أقسم بمواقع النجوم* وانه لقسم لو تعلمون عظيم} الواقعة 75-76.
ولقد علمنا أنها مواقع عظيمة حقا.
وهذه النجوم لا تزال في زينة السماء الأولى.
قال تعالى:{ولقد زيّنّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} الملك 5.
وبعد هذه الزينة تأتي السماء الأولى وسمكها والفراغ بينها وبين السماء الثانية, ثم تأتي السماء الثالثة, والرابعة, والخامسة, والسادسة, والسابعة, ثم يأتي كرسي الرحمن الذي أحاط بهذه السموات السبع فكانت السماوات السبع بالنسبة للكرسي كسبعة دراهم ترس, كما جاء في الحديث, ثم يأتي العرش العظيم الذي لا يساوي الكرسي والسماوات السبع بالنسبة له الا حكلقة قد رميت في الصحراء. كما جاء في الحديث الشريف.
فهل بعد ذلك يا ترى يمكن للانسان الذي ليس بشيء أمام هذه المخلوقات العظيمة أن يرى الله جهرة في الدنيا بعينيه الضعيفتين المحدودتين!!
كيف كانت تغرس العقيدة
قال سهيل بن عبدالله التستري:
كنت أنا وابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر الى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ قال: بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرّات من غير أن تحرّك لسانك.
الله معي, الله ناظر اليّ, الله مشاهدي. فقلت ذلك ليالي, ثم أعلمته فقال لي: قل في كل ليلة سبع مرّات. فقلت ذلك ثم أعلمته. فقال: قل ذلك كل ليلة احدى عشر مرّة, فقلته فوقع في قلبي حلاوته, فلما كان بعد سنة, قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه الى أن تدخل القبر فانه ينفعك في الدنيا والآخرة, فلم أزل على ذلك سنين. فوجدت لذلك حلاوة في سرّي.
ثم قال لي خالي يوما: يا سهل, من كان الله معه وناظر اليه وشاهده, أيعصيه؟؟.. اياك والمعصية.
علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين
وقد كثل هذه المراتب الثلاثة ابن القيّم في كتابه مدارج السالكين فقال: كرجل أخبرك أن عنده عسلا وأنت لا تشك في صدقه, ثم أراك اياه فازددت يقينا, ثم ذقت منه, فالأول علم اليقين, والثاني عين اليقين, والثالث حق اليقين.
فعلمنا بالجنة والنار: علم اليقين. فاذا ازلفت الجنة في الموقف للمتقين وشاهدها الخلائق وبرزت للغاوين وعينها الخلائق فذلك عين اليقين, فاذا أدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار: فذلك حينئذ حق اليقين.
الايمان بالله تعالى عقيدة وسلوك
الايمان بأن الله رب العالمين, وأنه مالك الكون, عمل من أعمال القلب عقيدة يعتقدها الانسان. أما الايمان بأنه الاله, فلا يقتصر على الاعتقاد, بل يتعداه الى السلوك والعمل, والى القيام بالعبادة, وافراد الله بها, فان استنكف عن عبادته, أو عبد كعه غيره لم يكن مؤمنا, وان صدق واعتقد أن الله هو رب العالمين, ومالك الكون. فما هي العبادة؟
أول ما يبدر الى الذهن, أن العبادة هي الذكر والصلاة والصيام وتلاوة القرآن وأمثال ذلك مما يقرب الى اله وهذا حق, ولكن العبادة لا تقتصر على هذا, بل ان كل عمل نافع, لم يمنعه الشرع, يعمله المؤمن ابتغاء ثواب الله, ليكون عبادة.
يأكل ليتقوى على الطاعة فيكون أكله بهذا القصد عبادة, وينكح ليعف نفسه وأهله, فيكون نكاحه عبادة, وبمثل هذا القصد يكون كسبه للمال عبادة, وانفاقه على أهله عبادة, وتحصيله العلم والشهادات عبادة, وشغل المرأة بأعمال بيتها, وخدمة زوجها, ورعاية أولادها عبادة, وكل عمل مباح ان قصد فاعله فيه رضا الله كان عبادة, وكل عمل مباح ان قصد فاعله في رضا الله كان عبادة, فالعبادة يتسع معناها حتى يشمل كل أعمال الانسان النافعة, ويحيط بها كلها. ولعل هذا هو المعنى المقصود بقوله تعالى:
{وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون} الذاريات56.
بريطاني وزوجته يدخلون في الاسلام
جاء رجل من بريطانيا مع زوجته الى أحد العلماء في اليمن فسألته المرأة البريطانية وقالت لعالم اليمن: سأسألك سؤالين ان أجبتني عليه آمنت بالله؟!..
قال لها العالم: سلي.
قالت المرأة: ما طول الله وعرضه؟..
قال لها العالم: واني سأسألك سؤالا: هل تجيبيني عليه؟
قالت: نعم سل.
قال: هل تحبّين زوجك؟
قالت: نعم.
فقال لهم: كم كيلومتر يبلغ هذا الحب؟
فقالت المرأة: وهل يقاس الحب بالكيلومترات؟
فقال لها العالم: اذا كان الحب وهو من مخلوقات الله لا يخضع للمقاييس البشرية أتريدين أن تخضعي الخالق للمقاييس البشرية؟
{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وما ان سمعت هذا الكلام حتى نطقت هي وزوجها بالشهادة وأسلما لله رب العالمين.
"الله أكبر أن يقاس بالناس..
أو يدخل تحت المقياس..
أو تدركه الحواس.."
مهندس بركان فرنسي يشهر اسلامه
زرت جزر القمر في 15\6\92, وجزر القمر جزر بركانية اذ يحدث البركان كل 12 عاما وقبل سبعة أشهر من زيارتي سجل جهاز رصد البركان أن بركانا شديدا سينفجر في يوم كذا وأسرع المتخصصون من الفرنسيين الى جزر القمر وحين وصلوا سمعوا أصواتا فلما سألوا عن مصدر هذه الأصوات؟ قيل لهم: ان هذه أصوات المسلمين في المساجد حين علموا بقرب انفجار الركان أسرعوا الى بيوت الله يطلبوا العون من الله فيكثرون من البكاء والتضرّع والاستغفار والذكر بأن يصرف الله عنهم شرّ هذا البركان.
فقال رئيس المهندسين: وهل يصرف هذا البركان المحقق الوقوع؟
قالوا: نعم, يصرف بعون الله.
قال: كيف يصرف؟
قالوا: بقدرة الله تعالى ونحن مؤمنون بها...
فقال لهم اا لم ينفجر البركان غدا في موعده وصرف كما تقولون فأنا أعلن اسلامي أمامكم...
وجاء الغد وانتظر انفجار البركان, وجاء الموعد ومضى ولم ينفجر البركان, واذا به يؤمن بهذا الدين ويعلن اسلامه أمام الناس حين رأى الحق وحين رأى قدرة الله تعالى.
وهذه الحادثة معروفة بين أهل جزر القمر.
رائد فضاء يسمع الأذان فوق سطح القمر
نشرت صحيفة الاتحاد نقلا عن صحيفة ستار الماليزية أن نيل أرمسترونج أول انسان هبط على سطح القمر, أشهر اسلامه, وقال: انه سمع الأذان عندما هبط على سطح القمر, ونتيجة لذلك أشهر اسلامه...
وقالت الصحيفة أن أرمسترونج سمع صوتا غامضا لم بتيّن معناه عندما وضع قدميه على سطح القمر وحسب أن الأمر لا يتعدّى طنينا في الأذن نتيجة تأثره من هذه التجربة الفريدة, كأول انسان يهبط على سطح القمر, وبعد هذه الرحلة التاريخية قام أرمسترونج بجولة في عدد من الدول من بينها مصر, وفوجئ أثناء تجواله في القاهرة بالصوت الذي سمعه على سطح القمر, وسأل مرافقه فأخبره أنه الأذان, وقال رائد الفضاء: انها نفس الكلمات التي سمعتها كما أتذكر على سطح القمر.
غورباتشوف يعترف بنعم الله!
أقرّ غورباتشوف رئيس العلمانية باعتباره رئيسا للتحاد السوفياتي الأسبق في خطابه الذي قدم فيه استقالته الى أعضاء الكرملين (بأن الله أعطانا الكثير من النّعم ولكن نحن ما استفدنا منها).
مسؤول سوفياتي يشهر اسلامه
ذكرت وكالة الأنباء الباكستانية أن نكولاي ناكوف لايف قد أشهر اسلامه على يد وفد المجاهدين الأفغان الذي ذهب الى كوسكو برئاسة برهان الدين ربّاني من أجل البحث مع القيادة السوفياتية في الحل السلمي للقضية الأفغانية, ناكو لايف الذي سمّى نفسه بعد أن أسلم ب(أنور) وكان عضوا في المجلس الأعلى للاتحاد السوفياتي وقد هدي الى الاسلام عندما كان في صحبة وفد المجاهدين الى مقر السفارة الباكستانية من أجل تناول مأدبة طعام أعدّت للوفد المذكور.
ان لم تكن تراه فهو يراك
لله في الآفاق آيات لعلّ
أقلها ما هو اليه هداكا
ولعلّ ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عبناك
والكون مشحون بأسرار اذا
حاولت تفسيرا لها أعياكا
قل للطبيب تحطّفته يد الردى
يا شافي الأمراض من أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعدما
عجزت فنون الطبّ من عافاكا
قل للصحيح يموت لا من علّة
من بالمنايا يا صحيح دهاكا
قل للبصير وكان يحذر حفرة
فهو بها من ذا الذي أهواكا
بل سائل الأعمى خطى بين الزحام
بلا اصطدام من يقود خطاكا
قل للجنين يعش معزلا بلا
راع ومرعى ما الذي يرعاكا
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء
لولا الولادة ما الذي أبكاكا
بل سائل اللبن الصفى وكان
بين دم وقرث من الذي صفاكا
واذا تى الثعبان ينفث سمّه
فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو
تحيا وهذا السم يملأ فاكا
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهدا وقل للشهد من حلاكا
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى
عن عيون الناس من أخفاكا
واسأل شعاع الشمس يدنو
وهي أبعد من كل شيء ما الذي أدناكا
كل للمرير من الثمار من الذي
بالمرّ دون الثمار غذاكا
واذا رأيت النار شبّ لهيبها
فاسأل لهيب الانر من أوراكا
واذا ترى الجبل الأشمّ مناطحا
قمم السماء فسله من أرتاكا
واذا رأيت النهر بالعذب الزلال
جرى فسله من الذي أجراكا
واذا رأيت البحر بالملح الأجاج
ضفا فسله من الذي أطفاكا
هذي عجائب طالما أخذت بها
عيناكا وانفتحت أذناكا
ولله في كل العائب ماثل
ان لم تكن لتراه فهو يراكا
طفل تشاديد مسيحي يولد ويحمل على ذراعه اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم
يستحوذ طفل يوم السبت الماضي في أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة التشادية على اهتمام وسائل الاعلام ورجال الدين وكبار رجال الدولة.. فالطفل يحمل على ذراعه اسم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مرتين ومكتوبا بالعربية "محمد".
الطفل ولد في عائلى مسيحية. الأم هي جوزيفين مورمال تعمل في خادمة لتعيل العائلة, والأب توماس ندواي موظف سابق في البلدية عاطل عن العمل حاليا. وقد زاره حتى الآن رئيس الجمهورية العقيد ادريس ديبي وأسقف نجامينا المونسنيور شارك فاندام.
وتحدثت وكالةالأنباء التشادية عن الطفل: "الطفل الغامض" الذي عرضت صوره في التلفزيون ونشرتها الصحف على صفحاتها الأولى.
أما الأم فبدت مأخوذة بالمفاجأة والتي سبق أن أنجبت عدّة أطفال فقالت ردّا على أسئلة الصحافة أنها في البداية لم تلحظ هذه الكتابة بالعربيّة على ذراع ابنها. وأضافت: (أختي لاحظت ذلك ولكنني قلت لها انها مجرّد شكل لا يعني شيئا. لكن الذين رأوها فيما بعد أكّدوا أنها أحرف عربيّة).
والطفل الذي ولد في المنزل من دون ألم ومن دون أيّة مساعدة اكتسب شهرة واسعة في الحي بكامله. وما لبثت الأخبار أن وصلت الى المراجع الدينية. وقام بزيارته على رأس وفد كبير من العلماء امام مسجد نجامينا الشيخ حسن حسين.
وبعد الامام توافد الكثير من الأشخاص كما تروي الأم. وتحول البيت الصغير المبنيّ من الطين حيث تسكن العائلة المسيحية الى مزار يقصده الكثير من الشخصيات ومن الرغبين في التأكد من النبأ.
وقد رأى امام مسجد العاصمة خوفا على الطفل وأهله الذين تتقاذفهم مشاعر الحيرة والسعادة في آن واحد ان يتوفر لهم مكانا أكثر أمانا, فعمل على نقل العائلة الى أحد الفنادق الكبرى في المدينة في حي تقطنه أكثرية اسلامية.
وفي هذا الفندق قام الرئيس التشادي وأسقف المدينة بزيارة الطفل كما ذكرت وكالة الأنباء التشادية.
ووجهت اللجنة الاسلامية في نجامينا وهي أعلى هيئة اسلامية في البلاد نداء للتبرع والمساعدة على اقامة احتفال كبير يتم فيه اطلاق اسم للطفل.
ولكن لا يبدو أن هناك اجماعا على هذا الاحتفال الذي قررته الجنة الاسلامية. فالطفل كما قال أحد أقرباء العائلة: ( وان كان يحمل اسم محمد على ذراعه الا أنه ليس مسلما) وقال: ( يجب أن يترك الفتى ليختار اسمه بنفسه عندما يكبر).
وقال قريب آخر معلقا على ما ذكر عن احتفال اسلامي لتسمية الطفل: ( أن أهل الطفل مسيحيون في كل الأحوال}.
هذا الكتاب
الى الباحثين عن الحقيقة..
الى الذين تاهوا في دياجير الظلام..
الى الذين ضلزا الطريق فما وجدوا الدليل..
الى كل من يسأل: أين الله ولماذا لا نراه؟
أهدي هذه الرسالة؛
ليروا فيها الحقيقة, ويروا فيها النور, ويذوقوا حلاوة الايمان
المؤلف
الحمد لله الذي وفقني للانتهاء من طباعة الكتاب على الورد, وأسأل الله أن ينفع به المسلمين,
انتهت الكتابة في 9/4/2002 والحمد لله رب العالمين.